سردينيا- بيروت - وكالة النهار الاخبارية
في مدينة أولبيا في جزيرة سردينيا الإيطالية، انعق مهرجان MED FEST 2025 بين 25 و28 أيلول في نسخته الثانية، والذي بدا في ظاهره ملتقى ثقافيًا واقتصاديًا، لكنه في عمقه يحمل مشروعًا أوسع لتحويل أولبيا إلى منصة دبلوماسية واقتصادية تجمع ضفتي
المتوسط. وقد شارك في المهرجان وفد من جمعية الصحافة الأجنبية، و"الوكالة الوطنية للإعلام" ممثلة بالزميل الدكتور طلال خريس.
الصحف الإيطالية التقطت سريعًا هذا البعد، ووصفت أولبيا بأنها مرشحة لتكون "القلب النابض للمتوسط"، ليس فقط من باب السياحة أو التجارة، بل كحاضنة للتحول الأخضر والرقمي، وحماية التنوع البيولوجي، وتعزيز التعاون بين الشعوب. اعتبرت جريدة ماسيجيرو أن المهرجان منصة استراتيجية تتجاوز المعارض التقليدية، لتضع أولبيا في قلب معادلة إقليمية جديدة ترتبط بالطاقة المتجددة، والسياسات البيئية، وابتكارات البحث العلمي.
مداخلات الوزراء والمسؤولين الإيطاليين أكدت هذا التوجه. أورازيو سكيلاتشي وزير الصحة، ونيلو موسوميتشي وزير الحماية المدنية والسياسات البحرية، وجيلبرتو بيتشيتو فراتين وزير البيئة وأمن الطاقة، تحدثوا جميعًا عن التزام حكومتهم بتحويل المتوسط إلى مختبر لحلول مستدامة في مجالات الصحة والطاقة والبيئة، وإلى جانبهم، حضرت مؤسسات علمية مثل المجلس الوطني للبحوث، والصندوق العالمي للطبيعة، والمركز الوطني لمستقبل التنوع البيولوجي، ما أعطى الانطباع بأن المهرجان لم يكن مجرد حدث سياحي أو ثقافي، بل منصة تجمع السياسة بالاقتصاد والعلم في مشروع واحد.
الأبعاد الاقتصادية كانت واضحة، فالمهرجان تضمن مركزًا للأعمال شارك فيه أكثر من خمسين مشتريًا دوليًا في مئات الاجتماعات التجارية، وهو ما يعكس أن الحديث عن "السلام والتعاون" يرتبط ارتباطًا مباشرًا بجذب الاستثمارات، وإعادة صياغة دور المتوسط كممر للتجارة والطاقة النظيفة، وحتى عندما يتحدث المنظمون عن الشباب، كما فعل رئيس المهرجان جوزيبي ليغوريو ونائبته دانييلا روبولو، فإن التركيز يكون على إدماج الأجيال الجديدة في برامج التحول الأخضر والرقمنة، بما يخلق جيلًا متوسطيًا جديدًا قادرًا على التفكير عابرًا للحدود، غير أن السؤال يبقى مفتوحًا،هل الشباب شركاء حقيقيون في رسم هذه السياسات، أم واجهة لإضفاء صورة عصرية على مشاريع تقودها نخب سياسية واقتصادية؟
الصوت اللبناني كان حاضرًا في النقاش من خلال مداخلة الدكتور طلال خريس، الذي شدد على أهمية التعاون بين البلديات الإيطالية واللبنانية في مجالات حماية الغابات ومكافحة الحرائق، مشيرًا إلى أن بعض البلديات الإيطالية تمتلك خبرة واسعة في هذا المجال يمكن أن تشكل نموذجًا للتعاون العملي مع البلديات اللبنانية. هذه الإشارة بدت وكأنها تكسر الطابع الاحتفالي للمهرجان، لتفتح بابًا أمام تعاون عملي مباشر بين ضفتي المتوسط، بعيدًا عن اللغة الرسمية للدبلوماسية التقليدية.
بعد يومين من فعاليات MED FEST 2025، يتضح أن أولبيا تراهن على ما هو أبعد من السياحة والصورة الجميلة، المدينة تسعى لتكون عاصمة غير رسمية للمتوسط الجديد، متوسط يقوم على الطاقة النظيفة، الاقتصاد الأزرق، والديبلوماسية البيئية. غير أن الاختبار الحقيقي يبقى في ما إذا كانت هذه الطموحات ستترجم إلى مشاريع عملية مستدامة، أم أنها ستظل حبيسة قاعات المؤتمرات وبياناتها.