القضية الفلسطينية والنظام الدولي
محمود عباس في روما: تعزيز الشرعية السياسية والقانونية لفلسطين
بقلم :مادالينا شيلانو
زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى إيطاليا لا يمكن اختزالها في إطار دبلوماسية ثنائية عادية، بل تمثل خطوة استراتيجية لإعادة تأكيد الوضع القانوني والسياسي للفلسطينيين ضمن نظام دولي يعاني من أزمة تماسك وانحيازات متكررة. في سياق جيوسياسي تُقوّض فيه بعض الدول، وعلى رأسها إسرائيل، مبادئ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي العام بشكل منهجي، كان الهدف من زيارة عباس تحويل النقاش من التركيز على الطوارئ الإنسانية إلى إعادة التأكيد على الشرعية السياسية والتاريخية للقضية الفلسطينية.
فلسطين: من "الصراع" إلى حق تقرير المصير
المحور الأساسي في الرواية الفلسطينية يكمن في تفكيك التأطير التقليدي للقضية على أنها "صراع بين طرفين متكافئين"، إذ يُستخدم هذا التأطير للتنصل من حقيقة أن النزاع قائم على استعمار واحتلال عسكري مستمر. الشعب الفلسطيني، المعترف به من قبل الأمم المتحدة منذ القرار 181 (II) لعام 1947، محروم من حقه في تقرير المصير نتيجة:
الاحتلال العسكري للأراضي التي استولت عليها إسرائيل عام 1967، بما يشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وهو انتهاك واضح للمادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة.
التوسع الاستيطاني، الذي يشكل خرقًا لاتفاقية جنيف الرابعة، ووصفه مجلس الأمن بأنه عقبة صارخة أمام تحقيق السلام (القرار 2334، 2016).
حل الدولتين: قيمة معيارية وسياسية
رغم الانتقادات الموجهة لصيغة حل الدولتين، إلا أنها تظل أداة أساسية لإنهاء إنكار الحقوق الفلسطينية سياسيًا وإقليميًا. قيام دولة فلسطينية مستقبلية ليس مجرد تنازل إسرائيلي، بل حق مستمد من القرار 242 (1967) ومن سلسلة قرارات دولية تؤكد حتمية هذا الحق. كما أن السيادة الفلسطينية تعتبر محورًا حاسمًا لتحويل الحكم الفلسطيني من إدارة أمنية محدودة تحت إشراف إسرائيل إلى كيان فلسطيني مستقل وفاعل على المستوى الدولي.
الحوار السياسي وإعادة تقييم "التطبيع"
أجندة عباس في روما، التي شملت لقاء جميع القوى السياسية الإيطالية الرئيسة، هدفت إلى إزالة التهميش عن الملف الفلسطيني وإعادة إدراجه في السياق القانوني والأخلاقي للديمقراطيات الغربية. دعم الحقوق الفلسطينية ليس موقفًا ضد إسرائيل، بل تعزيز للالتزام بالنظام القانوني الدولي، إذ إن المعاملة التفاضلية للاحتلالات الإقليمية تهدد مبدأ المساواة في السيادة واحترام العهود الدولية.
النفاق الغربي وأزمة المصداقية
شكّل حضور عباس فرصة لتسليط الضوء على التناقضات في السياسات الغربية. فبينما تدين أوروبا وإيطاليا انتهاكات القانون الدولي في بعض المناطق مثل أوكرانيا، يظل الصمت أو الغموض سيد الموقف إزاء الانتهاكات الممنهجة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. الرمزية القانونية والتاريخية للأرض وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره تعكس رسالة واضحة،عن لا يمكن تصنيف الفلسطينيين كمستفيدين من الحماية القانونية دون منحهم حماية فعلية.
التماسك التاريخي والعدالة كشرط للاستقرار
زيارة عباس أجبرت النخبة السياسية الإيطالية على مواجهة حقيقة أساسية ،لا يمكن تحقيق استقرار الشرق الأوسط دون عدالة حقيقية. الاعتراف بدولة فلسطين ليس بادرة متطرفة، بل تأكيد على التوافق مع:
حق الشعوب في تقرير المصير.
قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.
التزامات إيطاليا بالقانون الدولي الإنساني والمعايير الدولية للحماية.
في ظل تزايد الشكوك حول المؤسسات متعددة الأطراف، أكدت زيارة عباس أن احترام القانون الدولي ليس خيارًا، بل هو الأساس الشرعي الوحيد للسياسة الخارجية لأي دولة ديمقراطية تسعى للتماسك والعدالة على الساحة الدولية.