وكالة النهار الاخبارية/عبد معروف
انشغل الرأي العام العالمي خلال الأيام القليلة الماضية، ومازال، بالمبادرة التي أطلقها الرئيس الأمريكي رونالد ترامب لوقف حرب الابادة الاسرائيلية في قطاع غزة، والتمهيد لتقدم عملية"السلام" في المنطقة ما يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية.
وعاش العالم حالة من الترقب والانتظار لإمكانية أن يمارس ترامب ضغطا على رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو لإنجاح المبادرة.
أمام التفاؤل الرسمي العالمي والعربي بإمكانية تنفيذ مبادرة ترامب، لوقف شلال الدم النازف في القطاع ، ترى النظم العربية والأجنبية أن نجاح ترامب في الوصول إلى وقف الحرب سيضع حدا للإحراج الذي وقعت به أمام ذبح الأطفال وتجويعهم، وأمام نهش الكلاب لجثث الضحايا الفلسطينيين من نساء وأطفال في شوارع غزة وأزقتها وبين أنقاض مبانيها، وبعد ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في القطاع إلى أكثر من 66050 شهيدا و 168,162 جريحا، وعلى وقع التهديدات الاسرائيلية لاجتياح بري للقطاع.
ورغم ما قدمته وتقدمه واشنطن من دعم عسكري ومالي وسياسي ودبلوماسي للحكومة الاسرائيلية باعتبارها الحليف الرئيسي لتل أبيب، فقد شكّلت الولايات المتحدة الطرف الأكثر تأثيراً في مسار العدوان منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 8 أكتوبر 2023،، بحكم تحالفها الاستراتيجي مع الكيان العبري وعلى خلفية موقعها كلاعب رئيسي في مجلس الأمن والأمم المتحدة.
ومع تصاعد الكارثة الإنسانية في القطاع، كثّفت واشنطن مبادراتها ومحاولاتها لإيجاد صيغة توقف نزيف الدم وتحدّ من تداعيات الحرب على الاستقرار الإقليمي.
أولى المبادرات الأمريكية تركزت على الدعوة إلى هدنة إنسانية مؤقتة، تسمح بإدخال المساعدات الطبية والغذائية إلى غزة، إضافة إلى إجلاء الجرحى عبر معابر محددة. هذه المبادرات جاءت استجابةً للضغط الدولي المتزايد، ولنداءات المنظمات الإنسانية التي حذّرت من انهيار كامل للقطاع الصحي والغذائي. لكن هذه الهدن كانت قصيرة الأمد وغالباً ما انهارت سريعاً بسبب غياب الضمانات الملزمة.
مبادرة أخرى تبنّتها الإدارة الأمريكية تمثلت في محاولة التوصل إلى صفقة تبادل بين تل أبيب والفصائل الفلسطينية، تقوم على إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين مقابل وقف إطلاق النار المؤقت. وقد اعتُبرت هذه المبادرة خطوة يمكن أن تبني جسراً نحو تهدئة أطول، غير أنّ الخلافات حول الشروط والتوقيت أضعفت فرص نجاحها.
كما طرحت واشنطن عبر مبعوثيها في المنطقة فكرة وقف إطلاق نار مرحلي، يبدأ بتهدئة إنسانية لعدة أسابيع، يتبعها مفاوضات سياسية حول مستقبل غزة وإعادة إعمارها، إضافة إلى مناقشة ملف السلطة الفلسطينية ودورها المحتمل في إدارة القطاع. هذه الصيغة كانت تهدف إلى موازنة الموقف بين الضغط الدولي على تل أبيب، وحماية مصالحها الأمنية في الوقت نفسه.
رغم ذلك، واجهت المبادرات الأمريكية انتقادات واسعة. فالكثير من الأطراف رأت أنّ الادارة الأمريكية تميل إلى تغطية الممارسات الوحشية الإسرائيلية أكثر من سعيها الحقيقي لوقف الحرب. كما أنّ استمرار تدفق الدعم العسكري والسياسي للحكومة الاسرائيلية جعل من هذه المبادرات في نظر كثيرين مجرّد محاولة لامتصاص الغضب الدولي وليس معالجة جذور الصراع.
مع ذلك، يرى مراقبون لتطورات حرب الابادة، أن المبادرات الأمريكية تبقى ذات أهمية، لكونها العامل الأكثر قدرة على الضغط على حكومة تل أبيب أو توفير غطاء دولي لأي اتفاق. فنجاح أو فشل أي تحرّك لوقف حرب الابادة وحرب التجويع في غزة يرتبط بشكل وثيق بمدى استعداد الولايات المتحدة لاستخدام نفوذها بشكل جاد ومتوازن.
وبينما تتواصل المفاوضات والجهود الإقليمية والدولية، يبقى مصير غزة معلّقاً على الإرادة السياسية الأمريكية: هل ستكتفي واشنطن بإدارة الأزمة، أم ستتخذ خطوة حاسمة نحو وقف شامل للحرب وفتح الطريق أمام تسوية سياسية أوسع؟