الثلاثاء 1 تموز 2025

فلسطين وأزمة القانون الدولي العالمي

مادلينا تشيلانو  –النهار الاخبارية 
 بينما تستمر برميل البارود في الشرق الأوسط بالاشتعال، تتحرك التوازنات الدولية: إيران تؤكد حقها في الدفاع، فلسطين تغرق في الصمت، والولايات المتحدة تعيد طرح عقيدة الحرب الوقائية.

بينما يراقب العالم بقلق متزايد اندلاع موجة جديدة من التوتر في المشهد الشرق أوسطي، تبرز حقيقة مزعجة بقوة: لم تعد المسألة مجرد حرب بين دول، بل أزمة عميقة تضرب صميم النظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية.

اللاعبون الحاليون – إيران، إسرائيل، فلسطين، والولايات المتحدة – يمثلون اليوم أكثر بكثير من أجنداتهم الوطنية. فالمسألة تتعلق ببقاء القانون الدولي، والسيادة، والحقيقة ذاتها.

إيران: تحت الهجوم لكنها ما زالت صامدة
خلال الأسابيع الأخيرة، استهدفت القوات المسلحة الإسرائيلية، بدعم مباشر من الولايات المتحدة، عدة منشآت نووية إيرانية، من بينها منشآت في فوردو ونطنز وأصفهان. السلطات في طهران أدانت الهجوم بحزم ووضوح واعتبرته "عملاً حربياً"، مطالبةً مجلس الأمن الدولي بالتدخل.

وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان وصف الهجمات بأنها "انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة"، داعياً ليس فقط إلى الإدانة، بل إلى تعويضات وفتح تحقيق مستقل.

مع ذلك، فإن رغبة إيران في إعادة بناء برنامجها النووي – الذي يُفترض أنه لأغراض مدنية سلمية كما يقر به معاهدة عدم الانتشار النووي (TNP) – تُقرأ في الغرب باعتبارها تهديداً.

وكالات الأنباء الغربية تعيد تدوير رواية تقول إن إيران "تقترب من صنع القنبلة"، مما يغذي سردية طارئة تبرر الحرب الوقائية، رغم ما تنطوي عليه من مخاطر لا تُحصى.

فلسطين: الألم المنسي
في غضون ذلك، تستمر معاناة الفلسطينيين بلا هوادة. القوات الإسرائيلية كثّفت من اقتحاماتها في الضفة الغربية، عبر اعتقالات عشوائية، ومداهمات ليلية، ونقاط تفتيش عسكرية واسعة.

أما في شرق غزة، فقد شنت القوات الإسرائيلية هجوماً واسع النطاق أجبر عشرات آلاف المدنيين على الفرار نحو منطقة المواصي المكتظة أصلاً.

ووفقاً لمصادر فلسطينية، بلغ عدد القتلى المئات، بينهم عدد كبير من الأطفال. ومع ذلك، فإن الحرب بين إيران وإسرائيل استحوذت على التغطية الإعلامية العالمية، مما جعل الأزمة الإنسانية الفلسطينية مجرد هامش في الأخبار.

رغم كل شيء، لا تزال المقاومة المدنية الفلسطينية مستمرة، بشجاعة تستحق اهتماماً أكبر بكثير مما يُمنح لها.

الولايات المتحدة: عودة عقيدة الحرب الوقائية
الدور الأمريكي بعيد كل البعد عن أن يكون هامشياً. فبحسب ما كشفته صحيفة وول ستريت جورنال، كان السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام هو من أقنع دونالد ترامب – الذي عاد إلى سدة الرئاسة – بشنّ الهجمات على إيران، مبرراً ذلك بأنها "ضربة جراحية من أجل أمن الغرب".

الكونغرس رفض كل المحاولات الرامية إلى تقييد صلاحيات السلطة التنفيذية في استخدام القوة العسكرية، مما أتاح للبيت الأبيض العمل دون أي رقابة برلمانية.

الخطاب الأمريكي عاد إلى تبني التدخل المباشر بصراحة: "الدفاع عن إسرائيل هو دفاع عن أمريكا"، قالها ترامب نفسه.

لكن بأي ثمن؟ في زمن تتراجع فيه مكانة الأمم المتحدة، وتُهمّش فيه المحكمة الجنائية الدولية من قبل القوى الكبرى، يبدو أن الرسالة غير المعلنة هي: من يملك القوة يضع القواعد.

إسرائيل: الأحادية المسلحة
من جهته، ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبعد من كل توازن ممكن. فبينما تتواصل الغارات على غزة والعمليات العسكرية في الضفة، برّرت تل أبيب الهجمات الوقائية ضد إيران بأنها "دفاع وجودي".

لكن، ووفقاً للقانون الدولي، لا تُعدّ الدفاعات الشرعية مبررة إلا في حال وجود هجوم وشيك ومؤكد. فأين هو الدليل؟

صمت المجتمع الدولي والدعم غير المشروط من واشنطن يمنحان إسرائيل تفويضاً مفتوحاً.

لكن هذا الإفلات من العقاب قد يؤدي إلى تقوية موقف إيران كقوة إقليمية قادرة على التحدث – اليوم – باسم شريحة واسعة من دول الجنوب العالمي، التي تجد نفسها ممثلة في طروحات طهران.

 معركة شرعية، لا مجرد صراع قوى
ما يحدث اليوم ليس مجرد أزمة إقليمية. إنها إعادة نظر شاملة في القواعد التي تحكم النظام الدولي.

إيران، رغم الضغوط والهجمات، تحاول إعادة النقاش إلى ساحة القانون والدبلوماسية متعددة الأطراف.

فلسطين، في المقابل، ما زالت تدفع الثمن الأغلى وسط تجاهل شبه تام.

أما الولايات المتحدة، فتعيد فرض رؤيتها الأحادية، متجاهلة مبدأ السيادة.

وإذا كانت قضية الجزائريين – كما كتب سارتر – هي "قضية كل الأحرار"، فإن قضية من يطالب اليوم بالعدالة، والحق في الدفاع، واحترام الحياة الإنسانية، لا يمكن إلا أن تكون قضية كل من لا يزال يؤمن بعالم يحكمه القانون لا القوة.

"ليست القنبلة النووية الإيرانية ما يهدد العالم، بل الفكرة القائلة إن القانون يمكن قصفه متى نشاء."
— افتتاحية طهران تايمز، 28 حزيران/يونيو 2025.