السبت 6 كانون الأول 2025

فشل السلطة اللبنانية عبر التاريخ في خياراتها وتحالفاتها



خاص/وكالة النهار الاخبارية/ باسم جوني

ضمن مراجعة تاريخية بسيطة لتحالفات القوى اللبنانية، التي رفعت شعار "السيادة"، نجد أنها نفسها التي استدعت الاستعمار الفرنسي والبريطاني، وطالبت بدخول الجيش السوري إلى لبنان، ثم جيش الاحتلال الإسرائيلي. في نهج واضح، يُغلب المصلحة الخاصة الفئوية، على المصلحة العامة الوطنية. ولا يزال النهج نفسه مستمرًا، منذ اقتراح الرئيس إميل إده في الثلاثينيات بتسليم مناطق جنوب لبنان إلى عصابات يهودية، وطلب بشارة الخوري عام 1941 بإخلاء منطقة جبل عامل لاعتبارها "خطرًا" على العصابات الصهيونية في لقائه مع الوزير الإسرائيلي إلياهو ساسون، مرورًا بطلب الرئيس السابق كميل شمعون، تدخل قوات المارينز الأميركية إلى لبنان عام 1958، - على الرغم من سقوط حجته بعد أن أرسلت الأمم المتحدة فريقاً من المراقبين، للتحقيق في مزاعم تدخل الرئيس جمال عبد الناصر لصالح المعارضة ضدّ حكم شمعون، وخلصت اللجنة في تقريرها إلى أنّ لا دليل على تلك المزاعم-.  وصولًا إلى حكومة نواف سلام التي تعتبر الولايات المتحدة الأميركية "حليفًا"، على غرار حكومات لبنانية سابقة، والتي تُقر بممارساتها الخضوع التام للإملاءات الأميركية، حيث تجلّى ذلك في عدد من القرارات أبرزها إقرار مجلس الوزراء ورقةً أميركية تُشكّل خرقًا واضحًا لخطاب القسم الذي أعلنه رئيس الجمهورية. 
 وإذا قرأنا على أي أسس تُبنى التحالفات، نجد أن المعيار الطبيعي، هو التلاقي حول مصالح استراتيجية واضحة، نابعة من المصلحة الوطنية حصرًا. على سبيل المثال، الدعم العسكري المباشر، والسياسي، الذي أعلنه رئيس كوريا الشمالية "كيم جونغ أون" لروسيا في حربها مع أوكرانيا، والذي بُني على تقاطع خيارات سياسية مع سياسة موسكو، تحت عنوان عام وهو الحد من الهيمنة الأميركية. كما أنه السبب الأول أيضا للتلاقي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وجمهورية الصين الشعبية، بوجه ما تشكله أميركا من خطر توسعي في المنطقة. والخيار نفسه، اتخذته فنزويلا الاشتراكية، من تعاون اقتصادي ومعاهدات شراكة مع "دول الشرق"، على الرغم من القرب الجغرافي مع أميركا والتهديد الذي تشكله الأخيرة على كاراكاس. إلا أن بناء التحالفات، ما هو إلّا ترجمة واقعية لتحقيق المصلحة الوطنية والدفاع عنها. 

لذلك، إذا نظرنا إلى الساحة اللبنانية، فإن خيار النظام اللبناني منذ تأسيس لبنان الكبير، ليس سوى رهان وهمي وفاشل على كافة الأصعدة. على المستوى الاستراتيجي، فإن الولايات المتحدة الأميركية هي الحليف الأول لتل أبيب، وإذا حَبَذ العهد الجديد في لبنان، مراجعة المشروع الصهيوني، فإنه المشروع الأخطر على الكيان اللبناني، باعتباره يشمل إعلان "إسرائيل الكبرى" التي ستضم كامل الأراضي اللبنانية وتسلب بذلك "السيادة" اللبنانية. فكيف يمكن اعتبار أميركا حليفة، وعلى أي أسس تم بناء هذا الحلف؟ جرت العادة أن يكون التلاقي على مصالح واضحة، وليس اعتماد حلف مع من تقصف طائراته الأراضي اللبنانية وتسقط صواريخه على الشعب اللبناني. ثم إن تجارب التحالف مع واشنطن لا تبشّر بالخير، وانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان عام 2021 وتركها حلفاءها لمصيرهم خيرُ دليل على ذلك. عوضًا عن مشهد قصف الطائرات الإسرائيلية للدوحة، رغم اعتبار قطر أن أميركا أهم حليف لها على الساحة الدولية، وآخر هذه التجارب، هي صيغة إدارة ترامب التي قُدّمت إلى كييف، التي من المفترض أنها حليف استراتيجي لواشنطن بوجه المصالح الروسية. إلا ان ما حملته "خطة السلام" الأميركية من تنازلات قد تُفرض على أوكرانيا وتُعلن انتصار موسكو رسميا، لا تدل على أنها صيغة بين قوّة عُظمة وحليفتها. فقد حملت الخطة تنازلًا عن عن منطقتي "لوغانسك" و"دونيتسك" بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام ٢٠١٤. ومُوافقة أوكرانيا على تضمين دستورها عدم انضمامها إلى حلف الناتو. بالإضافة إلى مُوافقة "كييف" على عدم حوزتها على السلاح النووي. فضلًا عن إعادة إدماج روسيا في الاقتصاد العالمي، وإبرام اتفاقية تعاون اقتصادي مع الولايات المتحدة، وإنشاء مجموعة عمل أمنية أميركية روسية مشتركة لضمان الامتثال لجميع بنود الاتفاقية.

  أما إذا  كان رهان السلطة اللبنانية على الهبات المشروطة أو المساعدات الأميركية المربوطة حتمًا بنزع السلاح، فمن المفترض أن رئيس الحكومة، نواف سلام، يعرف جيدًا، كسفير ودبلوماسي ورئيسًا سابقًا للمحكمة الدولية، أن الدول لا تُبنى على الهبات ولا على المساعدات، وانهيار الاقتصاد اللبناني عام 2019، نتيجة طبيعية لاعتماد الحكومات اللبنانية على التسوّل من الخارج. فضلًا عن أن الاعتماد على المساعدات المشروطة، ما هي إلا سياسة لإبقاء لبنان أداة ضعيفة بيد القوى الإقليمية والعالمية. فبناء الدولة القوية والقادرة يكون من خلال بناء مؤسساتها، ووضع استراتيجية أمن قومي تشمل مشاريع اقتصادية وصحية وبيئية، والاعتماد على القوى العاملة المنتجة من أبناء شعبها، وتوظيف الكفاءات في المؤسسات الرسمية، وإعادة هيكلة السياسات الاقتصادية وتأطير الموارد الطبيعية ضمنها، ومُحاسبة أصحاب المصارف.
وأولًا، تُبنى قوة الدولة على إلغاء الطائفية السياسية التي أوصلت لبنان إلى ما هو عليه اليوم، من خلال خطاب يوحد المجتمع اللبناني، وممارسات تعيد مفهوم المواطنة.

لذلك، وبناءً على ما ذُكر. إذا أرادت حكومة الإصلاح والعهد الجديد، العمل نحو بناء دولة قوية ومجتمع موحد لا بد من العودة الى المصلحة الوطنية المبينة على دراسة الواقع السياسي الموجود منذ عقود حتى اليوم، فأصبح من الواضح، أن التوجه غربًا ما هو إلا تكريس بلدنا كأداة لمصالح مضادة لم تجلب لنا سوى الاحتلال والأزمات الداخلية.