وكالة النهار الاخبارية/عبد معروف
أمام الاندفاع العالمي الشعبي والرسمي نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، وارتفاع الأصوات والمبادرات لوقف حرب الابادة الاسرائيلي التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والمطالبة بكسر الحصار ووقف حرب التجويع التي تستهدف سكان القطاع، تسربت النقاط التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تهدف إلى إنهاء الحرب في القطاع، وتهيئة الظروف لإقامة دولة فلسطينية.
واعتبرت خطة ترامب الأخيرة المكونة من 21 نقطة، تحولا لافتا في موقف الرئيس الأمريكي باتجاه الوقوف الانساني إلى جانب سكان قطاع غزة، واعدا بالعمل على إقامة دولة فلسطينية مستقبلية.
لا شك أن التأييد والتعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية، والعزلة التي أصابت نتنياهو خلال إلقاء خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة شكلت دوافع وخلفيات مواقف الرئيس الأمريكي، كما أن المجازر وحرب الابادة وحرب التجويع وقتل الأطفال وهم يبحثون عن لقمة عيش، دفعت الرئيس الأمريكي لاحتواء التطورات ليس لإنقاذ تل أبيب ونتنياهو فحسب، بل أيضا لإنقاذ نفسه وإدارته وادعاءاته المخادرعة أنه "حامي الديمقراطية في العالم".
مبادرة الرئيس الأمريكي لا تخلو من السموم والألغام، فالحديث عن جعل غزة منطقة عازلة خالة من التطرف والارهاب يعني أن تكون خالية من مقاومة الشعب الفلسطيني، وأن يكون القطاع مسرحا دمويا للصراعات الفلسطينية الفلسطينية.
كما جاء في مضمون مبادرة الرئيس ترامب ما يؤكد أن الهدف الأساسي منها هو إطلاق سراح الأسرى الاسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية في غزة والمحافظة على خيار ما أطلق عليه "السلام" في المنطقة كخيار استراتيجي، (إطلاق حوار سياسي بين إسرائيل والفلسطينيين) لمنع انفجار غضب الشعوب خاصة العربية قبل حراكها الثوري حفاظا على كرامتها التي هدرت على أرض فلسطين.
كما أن دعوة الرئيس ترامب لوضع قطاع غزة تحت إشراف هيئة دولية جديدة تقودها واشنطن بالتعاون مع شركاء عرب وأوروبيين، وتشكيل قوة استقرار دولية مؤقتة بقيادة أميركية وعربية، للإشراف على الأمن وتدريب شرطة فلسطينية محلية، تشكل انتدابا جديدا على جزء من أرض فلسطين.
تزامنت خطة ترامب مع موقف متقدم أيضا للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، منتقدا "العمل العسكري الإسرائيلي المستمر في غزة"، لافتا إلى أنه لا يوجد مبرر " عسكري لمواصلة هدم ما هو أنقاض بالفعل" ومطالباً بإقامة دولة فلسطينية، قائلا:"لا يمكن للأطفال أن يموتوا جوعاً الآن".
وكان الموقف اللافت للرئيس الأمريكي السابق: "من غير المقبول تجاهل الأزمة الإنسانية التي تحدث داخل غزة، ومن الضروري لنا أن نصر على أن يجد كلا الجانبين طريقاً يضمن قيام دولة فلسطينية وحكم ذاتي جنباً إلى جنب مع إسرائيل آمنة".
ومع ذلك، أضاف الرئيس السابق أن "نهج حماس الخبيث في محاولة حل مشكلة تُعرّض جميع أفراد شعبها للخطر هو قمة السخرية التي أرفضها أيضًا".
فهل المواقف الأمريكية الأخيرة شكلت صحوة أمريكية باتجاه القضية الفلسطينية؟
إن تاريخ الولايات المتحدة منذ ترأسها للامبريالية العالمية، وسيطرتها على العالم، تاريخ حافل بالعدوان والنهب والسيطرة، كما هو حافل بدعم الكيان الاسرائيلي وعدوانه المتصاعد والمتواصل في فلسطين والمنطقة العربية.
ومنذ تأسيس الكيان الاسرائيلي عام 1948، أطلقت الولايات المتحدة العديد من المبادرات والخطط لتسوية الصراع العربي الصهيوني، لكن هذه المبادرات ومشاريع التسوية كانت دائما تؤكد على بقاء الاحتلال ودعوة العرب للاعتراف ووقف حالات الصراع وفتح قنوات الاعتراف الدبلوماسي والتنسيق الأمني، والتعاون الاقتصادي.
وإذا كانت مواقف الرئيسين ترامب وأوباما، قد جاءت بعد الحراك الشعبي والرسمي الواسع في دول العالم، وجاءت خجلا من شعوبها التي بدأت تتمرد على سياساتها المنحازة كليا للاحتلال الاسرائيلي، فإن تاريخ وطبيعة الولايات المتحدة الأمريكية الامبريالية تؤكد بأن مبادرة ترامب ومواقف اوباما إن لم تكن مزروعة بالألغام والسموم، فهي في أحسن الظنون، مواقف عابرة ولدت في زمان محدد لن يكون لها أي تأثير في وقف حرب الابادة في قطاع غزة، ولا في تهيئة الظروف لإقامة دولة فلسطينية مستقبلية.