تحقيق تحليلي في أخطر محاولة لنزع الطابع السياسي عن قضية اللاجئين
إعداد: عصام الحلبي
في وقت يشتد فيه الحصار المالي والسياسي على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، تطل علينا "لجنة كولونا" المستقلة" التي تدعي الاستقلالية" بتقرير بالغ الخطورة ، بطلب من الأمين العام للأمم المتحدة، بعد اتهامات الاحتلال الإسرائيلي لبعض موظفي الأونروا بالمشاركة في عمليات 7 أكتوبر.
اللجنة – برئاسة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاثرين كولونا – قدمت تقريرًا من 50 توصية، وصفها المفوض العام للأونروا بأنها "خارطة طريق" لتحسين الحياد وتعزيز الشفافية. لكن في قراءة فاحصة ومعمقة لهذا التقرير نكتشف حجم المخاطر المحدقة، ليس فقط بالعاملين في الوكالة، بل بقضية اللاجئين نفسها، وبحق العودة، وبالهوية الوطنية الفلسطينية.
المرجعية القانونية للأونروا
قلل الخوض في التوصيات، لا بد من التذكير بأن وكالة الأونروا تأسست بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 (د-4) لعام 1949، بهدف إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين إلى حين التوصل إلى حل عادل لقضيتهم، استنادًا إلى القرار الأممي 194 القاضي بحق العودة.
بالتالي، فإن أي مساس بتفويض الوكالة أو دورها السياسي والإنساني، يُعد خرقًا مباشرا لهذه المرجعيات الدولية.
التوصيات... ما هي وماذا تعني؟
التقرير، الصادر رسميًا عن الأمم المتحدة في 22 أبريل 2024 (UN Doc: A/79/251)، يتضمن خمسين توصية موزعة على النحو التالي:
1. حيادية العاملين – 11 توصية
التوسع في التدقيق الأمني المسبق قبل التوظيف والترقية.
مراقبة منشورات الموظفين على وسائل التواصل الاجتماعي.
تشكيل لجنة تأديب لأي نشاط "ذي طابع سياسي".
مشاركة أسماء العاملين ووظائفهم وأرقام هوياتهم مع الاحتلال والدول المضيفة أربع مرات سنوياً.
النتيجة: تحويل الموظف الفلسطيني إلى أداة خالية من الانتماء، تحت الرقابة الدائمة.
2. مراجعة المناهج – 8 توصيات
تدقيق شامل في جميع الكتب المدرسية (بما فيها التربية الإسلامية والوطنية).
إزالة كل ما يعتبر "تحريضاً على الكراهية"، بما يشمل الرموز الوطنية (مثال: صورة الشهيدة دلال المغربي).
إطلاق خط ساخن لتلقي الشكاوى ضد المعلمين "غير الحياديين".
النتيجة: تسطيح ثقافي وإلغاء للهوية الوطنية الفلسطينية في مدارس الأونروا.
3. حيادية المنشآت – 5 توصيات
منع استخدام مقرات الأونروا لأي نشاط غير خدمي.
تنظيم تفتيشات مفاجئة للمقار والمؤسسات.
النتيجة: عسكرة العلاقة بين اللاجئ والوكالة وتقييد الفضاء العام.: خلق حتلة أمنية ضاغطة"
4. اتحاد العاملين – 6 توصيات
إعادة صياغة دستور النقابة وتجريدها من طابعها التمثيلي الوطني.
إنشاء لجنة خارجية لتدقيق خلفيات أعضاء الاتحاد.
التفكير في "بدائل" للتمثيل النقابي الحالي.
النتيجة: شلّ العمل النقابي وضرب أي قدرة للعاملين على الاعتراض أو الدفاع عن حقوقهم و أنفسهم.
5. الشراكة مع جهات خارجية – 3 توصيات
إدخال منظمات دولية أخرى لتقديم الخدمات الأساسية بدلاً من الأونروا.
وهذا تسلل تدريجي لتحل بديلا في مقابل تقليص تفويض الوكالة مستقبلًا.
النتيجة: خصخصة مقنّعة وتفكيك تدريجي للوكالة كجسم سياسي وإنساني.
من الحياد إلى التصفية التدريجية
بينما يروّج التقرير لكونه آلية "تقنية" لتحسين الأداء والحيادية، إلا أن جوهر التوصيات يؤسس لفك ارتباط اللاجئ الفلسطيني بوكالته، وتجريده من أدوات التمثيل والذاكرة والحق في الكفاح من أجل العودة.
كما يربط التقرير بقاء الأونروا فعليًا بـ"تحقيق حل الدولتين"، ما يعني تفويضها تدريجيًا إلى جهات أخرى فور ظهور أي "بديل سيادي" – أي أن الوكالة لن تبقى حتى يُنصف اللاجئ، بل حتى يتم إنهاء دورها سياسيًا.
سبل المواجهة
في مواجهة هذا المخطط الناعم لتصفية الوكالة، تتعدد السبل الممكنة:
1. على مستوى الموظفين:
تعزيز الوعي القانوني بحقوقهم.
تشكيل لجان دفاع نقابي وحقوقي مستقلة.
مراقبة أي إجراء مخالف للقانون الدولي أو حقوق الإنسان.
2. على مستوى اللاجئين والمخيمات:
إطلاق حملات توعوية لفضح التوصيات ومخاطرها.
استعادة دور لجان اللاجئين الشعبية.
الضغط لوقف سحب الكتب التعليمية أو تعديلها دون مراجعة وطنية.
3. على مستوى القيادة الفلسطينية:
موقف رسمي واضح يرفض المساس بتفويض الأونروا (القرار 302).
تحرّك دولي ودبلوماسي لدى الجمعية العامة والأمين العام.
المطالبة بلجنة مراجعة فلسطينية-أممية لمتابعة تنفيذ التوصيات.
الخلاصة
ما جاء في تقرير كولونا ليس سوى محاولة ممنهجة لنزع الطابع السياسي عن الأونروا، وتحويلها إلى مجرد مزوّد خدمات محدود ومراقب ومشلول. اللاجئ الفلسطيني ليس رقماً على جدول توزيع الطعام، بل إنسان يحمل قضية، وهوية، وحقًا غير قابل للتصرف في العودة.
لا يمكن إصلاح الأونروا على حساب تفويضها…
ولا يمكن تحسين حيادها بإلغاء فلسطينيّتها.
مراجع رئيسية للتقرير:
1. قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 لعام 1949
2. قرار الأمم المتحدة رقم 194 (حق العودة)
3. تقرير لجنة كولونا – الأمم المتحدة – نيسان 2024 – A/79/251
4. موقع الأونروا الرسمي: www.unrwa.org
5. تقرير المتابعة السويسري الرسمي (مايو 2025): eda.admin.ch