الأربعاء 25 حزيران 2025

بين دخان الحرب وحدود الدم: إسرائيل تستغل انشغال العالم لتصعيد جرائمها في غزة والضفة



بقلم: عصام الحلبي

في لحظة إقليمية مشبعة بالصراعات والنيران، حيث تنشغل العواصم العالمية والإقليمية بتصعيد المواجهة بين الاحتلال الإسرائيلي من جهة، وحزب الله اللبناني والجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة أخرى، تمضي إسرائيل بهدوء قاتل في تنفيذ مخططها الاستراتيجي لتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية، عبر تصعيد غير مسبوق لجرائمها ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية.

تُمارس إسرائيل حربًا مزدوجة؛ تتقن الترويج لخطر "الجبهة الشمالية" عبر الإعلام والدبلوماسية الدولية، بينما تنفذ، في الظل، حرب إبادة ممنهجة ضد المدنيين الفلسطينيين، تستهدف فيها الإنسان والحجر، الذاكرة والمستقبل، دون أن تثير كثيرًا من الأسئلة في المنابر الأممية أو العناوين الإخبارية الكبرى.

غزة: استهداف متعمد للنازحين وتجويع للسكان

منذ أكثر من عام وثمانية أشهر، يتعرض قطاع غزة لحرب تدميرية شاملة حوّلت أحياءه إلى ركام، وسكانه إلى جياع ومشردين. لكن في الأسابيع الأخيرة، ومع انشغال العالم بالتصعيد في شمال فلسطين المحتلة، كثّف الاحتلال من استهدافه الممنهج للمدنيين، خاصة في مخيمات النزوح التي لجأ إليها الفلسطينيون هربًا من القصف، فلاحقهم الموت إلى خيامهم.

في رفح، دير البلح، وخانيونس، قصفت الطائرات الإسرائيلية مرارًا مراكز توزيع المساعدات والخيام، وأوقعت مئات الشهداء والجرحى، معظمهم من النساء والأطفال. هذه المواقع كانت معلومة مسبقًا ومحددة على خرائط التنسيق الإنساني، ما يؤكد أن القصف لم يكن "خطأ"، بل قرارًا عسكريًا مدروسًا يهدف إلى تدمير آخر ما تبقى من مقومات الحياة.

يقول أحد الناجين أمام الكاميرات:

 "كنا ننتظر الخبز والماء، لا أحد من بيننا مقاتل. فجأة سقط الصاروخ، فتحول الطابور إلى أشلاء..."
إنها سياسة التجويع والترهيب والتفريغ السكاني، تُنفذ بغطاء دولي من الصمت، في ظل غياب أي إرادة حقيقية لوقف المذبحة.

الضفة الغربية: تصعيد في الاستيطان والعنف المنظم

في الضفة الغربية، لا تقل الجرائم فظاعةً. وتحت غطاء "التركيز الأمني على الجبهة الشمالية"، أطلقت حكومة نتنياهو العنان للمستوطنين لتنفيذ اعتداءات موسعة ضد القرى والمزارع الفلسطينية ، بدعم كامل من الجيش.

في نابلس، رام الله، الخليل، وطوباس، شهدت الأسابيع الماضية تصعيدًا خطيرًا في عنف واجرام المستوطنين، تمثل في حرق منازل ومركبات، والاعتداء على المواطنين، كما في عينبوس، قصرة، ترمسعيا، وبيت دجن. المهاجمون مدججون بالسلاح، يتحركون تحت حماية كاملة من قوات الاحتلال التي تعتقل فقط من يحاول الدفاع عن نفسه.

وفي الوقت نفسه، تواصل إسرائيل،
اقتحام المدن والمخيمات (كما في جنين وقباطية) وتدمير البنى التحتية واعتقال المدنيين.

هدم المنازل في القدس والضفة بحجة البناء غير المرخص.

مصادرة الأراضي في الأغوار والجنوب وتحويلها إلى قواعد عسكرية أو "محميات".

توسيع الاستيطان عبر آلاف الوحدات الجديدة وقرارات "شرعنة" البؤر الاستيطانية في الكنيست.

ما يجري ليس رد فعل ولا تدابير أمنية، بل خطة مبيتة لتكريس الاحتلال وتفتيت الوجود الفلسطيني جغرافياً وديموغرافياً.

سوريا أيضًا هدف: عدوان بلا ردع

في خضم هذه الانشغالات، لم تسلم سوريا هي الأخرى من اعتداءات إسرائيلية متكررة، حيث شنت قوات الاحتلال عدة غارات على مطارات عسكرية ومدنية، ومواقع في محيط دمشق وريف حلب، بحجة استهداف "إيرانيين" أو "نقل أسلحة لحزب الله"، متجاوزة بذلك كل القوانين الدولية، دون أن تواجه مساءلة أو عقوبات.

إنه العدوان نفسه، يتنقل بين الجبهات، ويُمارَس بمنطق الإفلات من العقاب، في ظل تراخٍ دولي خطير بات أقرب إلى التواطؤ المنهجي.

التواطؤ الدولي والتعتيم الإعلامي: شراكة في الجريمة؟

اللافت في المشهد أن الجرائم الإسرائيلية، سواء في غزة أو الضفة أو سوريا، باتت تمر مرور الكرام في الإعلام الغربي، بل حتى العربي أحيانًا. لم تعد مجازر غزة تفتح نشرات الأخبار، ولم تعد الاعتداءات في الضفة تُحدث أي صدمة أخلاقية. وكأنّ دم الفلسطيني فقد قيمته في ميزان العدالة الدولية.

المنظمات الدولية تكتفي بالإدانات الدبلوماسية، والغرب مشغول بدعم "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، بينما ضحايا الاحتلال المدنيين يُعدّون مجرد "أضرار جانبية" في رواية غير إنسانية تتكرس يومًا بعد يوم.

 لا سلام بدون عدالة... ولا عدالة في ظل صمت العالم

ما تقوم به إسرائيل اليوم ليس إلا استثمارًا مدروسًا في لحظة انشغال عالمي، لإحداث تغيير جذري على الأرض الفلسطينية، قد يكون من الصعب الرجوع عنه لاحقًا. وهي لا تحتاج إلى كثير من الذرائع، فالصمت الدولي والتواطؤ الغربي وفّروا لها الغطاء الكافي لارتكاب ما تشاء من انتهاكات.
لكن صوت الضحايا لا يموت، والحق الفلسطيني لا يسقط بالتقادم. ومن يرى في الدم الفلسطيني مجرد تفصيل ثانوي في مشهد الصراع الإقليمي، فإنه يشارك – بقصد أو بغير قصد – في رسم مشهد الإبادة المتواصلة.

العدالة لا تتجزأ... والسكوت تواطؤ يرقى إلى حد المشاركة في الجريمة.