احمد صلاح عثمان
*كاتب ومحلل سياسي*
في ظل الصراعات المستمرة في الشرق الأوسط، تتبلور معركة بارزة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية، حيث من المتوقع أن يلعب الطرفان دورًا حاسمًا في تشكيل النظام السياسي العالمي.
لقد أصبح الصراع الحالي محورًا حول رؤيتين استراتيجيتين مختلفتين: الرؤية السعودية 2030 بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، والرؤية الإيرانية 1979 بقيادة المرشد الأعلى للدولة الإيرانية، علي خامنئي.
تحمل هاتان الرؤيتان في طياتهما خططًا سياسية واقتصادية تتجاوز حدود الدولتين. تسعى السعودية، من خلال قيادة محمد بن سلمان، إلى تحديث المجتمع السعودي والابتعاد عن الاعتماد على النفط، والاتجاه نحو مشاريع اقتصادية طموحة، وتنمية علاقاتها مع الغرب، بما في ذلك التحالف الأمني مع الولايات المتحدة، مع إمكانية التطبيع مع إسرائيل.
على النقيض من ذلك، تتمسك إيران بالمبادئ الثورية التي أرستها ثورة 1979، متجنبة أي تقارب مع الغرب وإسرائيل، مستخدمة وكلاءها الإقليميين في المنطقة لبسط نفوذها على دول مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن.
إن الاختلاف بين الرؤيتين يتجلى في النهج الاقتصادي والاجتماعي لكلا البلدين. ورغم التحديات التي تواجهها السعودية من خلال تقلبات سوق النفط والصعوبات الاجتماعية الداخلية، تتطلع المملكة إلى تحرير المجتمع السعودي من القيود القديمة. أما إيران، فهي تظل متمسكة بنظامها البيروقراطي الذي يعتمد على القمع لضمان البقاء.
تبدو المواجهة المباشرة بين إيران والسعودية غير واردة وغير مرجحة في الوقت الحالي، والسبب في ذلك هو الصراعات الداخلية في كلا البلدين، والتي تشكل التحدي الأكبر أمامهما.
تواجه السعودية استحقاقًا في مدى قدرتها على تحقيق مشاريعها العملاقة، بينما تعاني إيران من أزمة اقتصادية خانقة تترافق مع نفوذ إقليمي عبر وكلائها في المنطقة.
في ظل هذا المشهد المعقد، تبدو الرؤيتان السعودية والإيرانية ستحددان مستقبل الشرق الأوسط، ليس فقط من حيث الاستقرار والازدهار، ولكن أيضًا من حيث تأثيرهما على النظام العالمي.
*الرؤية الاستراتيجية*
استفادت إيران من الاضطرابات الناتجة عن الحروب الأهلية في لبنان والعراق والربيع العربي لتوسيع طموحاتها، بينما فشلت الجهود السعودية في مجابهة نفوذ طهران، سواء بالقوة الصارمة أو الناعمة. في اليمن، دعمت إيران الحوثيين الذين يسيطرون الآن على السلطة ويهددون التجارة العالمية، بينما تكبدت السعودية خسائر مادية وبشرية ضخمة في محاولاتها لكبح جماحهم.
أيضًا، يستخدم النظام الإيراني المتطرفين الإسلاميين من الشيعة والسنة لتنفيذ مخططاته وطموحاته الإقليمية، بينما تواجه السعودية تحديات من المتطرفين الإسلاميين مثل القاعدة وداعش.
لقد أصبحت رؤية 2030 للسعودية جاهزة ومستعدة للتطبيع مع إسرائيل، بينما لا تزال رؤية 1979 تسعى للحفاظ على وجودها، خاصة بعد الجولة الأولى من المواجهة في لبنان عبر حزب الله وإسرائيل.
صحيح أن هناك خللًا في توازن القوى العسكرية في منطقة الشرق الأوسط بعد الضربات المتتالية والقوية التي تلقاها محور المقاومة في لبنان والعراق، حيث أدت هذه المواجهة إلى خلق نتائج جيوستراتيجية في المنطقة.
إن الحرب الدائرة الآن في المنطقة أدت إلى تغيير الخريطة الجغرافية، وتوسيع إسرائيل أكثر في الدول المجاورة مثل لبنان وسوريا، وصولًا إلى العراق، وربما السعودية لاحقًا.
إن "طوفان الأقصى" الذي قامت به حماس لم يحقق أي مكاسب سياسية أو استراتيجية واضحة، بل أدى إلى ردود فعل إسرائيلية عنيفة في المنطقة، مما ساعد على تسريع عملية توسيع حدود إسرائيل عبر تحقيق حلمها بإسرائيل الكبرى.
مما يدل على أن قيادة حماس ومحور المقاومة لم يكن في تقديرها للموقف أن تتوقع أو تقدر مستوى الثمن والكلفة التي سيدفعها سكان قطاع غزة.
وبات واضحًا أن حماس لم تكن موفقة في تحديد هدفها الاستراتيجي عندما شنت هجومها المفاجئ في 7 أكتوبر، لأن ما ترتب على هذا الهجوم هو واقع أكثر دموية طال لبنان وسوريا، وأدى إلى احتلال جنوب سوريا وتوسيع رقعة الاحتلال للدول المجاورة.
إن إعادة ترتيب الخريطة الجيوسياسية للمنطقة وصعود الدورين التركي والإسرائيلي في إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط بدعم أمريكي وغربي واضح، مقابل إضعاف دور روسيا وإيران في المنطقة، قد تدفع إلى إعادة تفعيل العمل بالاتفاقيات الإبراهيمية لتشكيل شرق أوسط جديد.
ولكنها بالمقابل قد تدفع بالصراع إلى مضيق باب المندب في جنوب البحر الأحمر، وتشجع إيران على تسريع جهودها لامتلاك السلاح النووي بالتعاون مع روسيا وكوريا الشمالية، اللذين يرغبان بشدة في الذهاب بهذا المسار لمواجهة متطلبات الحرب في أوكرانيا التي يدعمها حلف الناتو.
*الخاتمة*
أدت التحولات الجيوسياسية في النظام الدولي إلى تسريع وتيرة واتجاه إعادة الهيكلة لمنطقة الشرق الأوسط بشكل كبير، والذي يتمظهر اليوم من خلال العمليات المتداخلة لإعادة تشكيل الدول والمنطقة وديناميكيات الأمن الإقليمي.
بعد أن أدت الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والصراعات المختلفة والتدخلات من خارج المنطقة إلى تقويض أسس النظام الإقليمي، مع عواقب كبيرة على الهويات والحدود وتوازن القوى والتحالفات، وحروب أهلية مطولة، وظهور جهات مسلحة غير حكومية، كل ذلك أدى إلى تقويض المظهر المعياري لمفهوم الدولة في منطقة الشرق الأوسط