بقلم : عصام الحلبي
شكّل الاتحاد العام لطلبة فلسطين منذ انطلاقته أحد الأعمدة التأسيسية للحركة الوطنية الفلسطينية الحديثة، ورافعة أساسية في بلورة الوعي السياسي الفلسطيني بعد نكبة عام 1948. ففي مرحلة اتسمت بتشتّت الشعب الفلسطيني وغياب الإطار السياسي الجامع، برزت الحركة الطلابية كمساحة تنظيمية واعية أعادت الاعتبار للهوية الوطنية الفلسطينية، وحوّلت الطالب من حالة الاغتراب والانتظار إلى فاعل سياسي منخرط في مشروع تحرري واضح المعالم. ومن خلال الجامعات، نجح الاتحاد في ربط المعرفة بالفعل النضالي، وجعل من الساحة الطلابية مختبرًا لصياغة الفكر الوطني وتجديد أدواته.

اضطلع الاتحاد العام لطلبة فلسطين بدور محوري في التمهيد لولادة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وكان من أبرز الحواضن التي تبلور في داخلها مشروع حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح. فقد وفّرت الأطر الطلابية بيئة تنظيمية مناسبة لنقاش الأفكار الثورية، وبناء الخطاب السياسي المستقل، وصقل الكوادر الشابة على أسس الالتزام والانضباط والعمل الجماهيري. ومن رحم الحركة الطلابية خرجت قيادات وكفاءات لعبت أدوارًا مركزية في إطلاق الثورة الفلسطينية، وأسهمت في ترسيخ خيار الكفاح الوطني والاستقلالية في القرار الفلسطيني.
ومع انطلاقة الثورة، تحوّل الاتحاد العام لطلبة فلسطين إلى أحد أذرعها الحيوية، خاصة في ساحات الشتات، حيث تولّى مهمة التعبئة السياسية، والدفاع عن الرواية الوطنية، وربط نضال الطلبة الفلسطينيين بنضال شعبهم في الداخل. ولم يقتصر دوره على الجانب السياسي، بل امتد ليشمل العمل النقابي والدفاع عن حقوق الطلبة، وتوفير فرص التعليم والمنح الدراسية، باعتبار التعليم جزءًا أصيلًا من معركة الصمود وبناء الإنسان الفلسطيني القادر على مواصلة النضال.
وشكّل المكتب الحركي الطلابي لحركة فتح العمود الفقري للعمل الطلابي داخل الاتحاد، والرافعة التنظيمية التي حافظت على البوصلة الوطنية في الساحات الجامعية. فقد عمل المكتب الحركي على تأطير الطاقات الشبابية ضمن رؤية وطنية جامعة، تجمع بين النضال المطلبي اليومي والانتماء للمشروع الوطني التحرري، وأسهم في حماية إنجازات الحركة الطلابية من محاولات الاحتواء أو التفريغ السياسي. ومن خلال حضوره في الجامعات، حافظ على الدور التاريخي للطلبة بوصفهم طليعة الوعي الوطني ووقود التغيير.
غير أن هذا الدور الريادي واجه، عبر مسيرته الطويلة، تحديات داخلية لا تقل خطورة عن التحديات الخارجية، أبرزها ظاهرة الشخصنة والتدخل التنظيمي المرتبط بمراكز قوى ونفوذ. فقد أدّى لاختزال العمل الطلابي في أفراد أو مصالح ضيقة إلى إضعاف المؤسسية، وإلى تراجع الثقة بالأطر الطلابية، ما انعكس سلبًا على فاعليتها وقدرتها على أداء دورها الوطني. كما ساهمت هذه الظواهر في تحويل بعض الساحات الجامعية من فضاءات نضال واشتباك فكري إلى ساحات صراع داخلي أرهق الحركة الطلابية وأبعدها عن أولوياتها الوطنية.
من هنا، تبرز الحاجة إلى إعادة الاعتبار للاتحاد العام لطلبة فلسطين والمكتب الحركي الطلابي على أسس وطنية وتنظيمية واضحة، تقوم على الرؤية السياسية، والمسؤولية، والكفاءة، والعمل الجماعي، بعيدًا عن المزاجية والتدجين والتنفيع الشخصي. فاستعادة الدور التاريخي للحركة الطلابية يتطلب تحصين القرار الطلابي، وتمكين الطاقات الشابة، وإعادة وصل العمل النقابي بالمشروع الوطني التحرري.
لقد كانت الجامعات، ولا تزال، مدارس وطنية وسياسية خرّجت أجيالًا من المناضلين والمثقفين، وكان الاتحاد العام لطلبة فلسطين عنوانها الجامع. وستبقى الحركة الطلابية إحدى أهم روافع النضال الفلسطيني، شرط أن تُدار بروح وطنية مسؤولة تليق بتاريخها وتضحياتها، وتحافظ على دورها كحاضنة للوعي، وحارس للسردية الوطنية، وشريك أصيل في مسيرة الثورة الفلسطينية حتى تحقيق الحرية والعودة والاستقلال.
* المقال ليس توثيقا تاريخيا مفصلا ، بل هو مقال له البعد التحليلي ، ومن أجل فتح باب النقاش من أجل الوصول وتطوير دور وأطر الاتحاد إلى ما يتناسب المرحلة الراهنة وأدوات نضالها الوطني.