الأحد 15 حزيران 2025

إيران تحت القصف: خطأ استراتيجي يمهّد لأوسع هجوم إسرائيلي منذ عقود


كتب عصام الحلبي

فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو 2025، دوّت انفجارات متزامنة في عمق الأراضي الإيرانية، لتعلن إسرائيل مسؤوليتها عن تنفيذ واحدة من أوسع عملياتها العسكرية في تاريخ الصراع غير المعلن مع طهران. أكثر من 15 موقعًا عسكريًا واستراتيجيًا تم استهدافها خلال دقائق، فيما استمرت هجمات عدة في الأوقات اللاحقة شملت مواقع مهمة في حوالي ست محافظات ومدن إيرانية، وسط صدمة في الداخل الإيراني، وحذر وترقّب على المستوى الدولي.

ضربة مباغتة.. وفشل استخباراتي إيراني كبير

بحسب مصادر إيرانية تحدثت إلى صحيفة نيويورك تايمز، فإن القيادة في طهران لم تكن تتوقع أي تصعيد قبل المحادثات النووية المرتقبة مع واشنطن في سلطنة عمان يوم 15 حزيران. هذا "الاطمئنان الزائد" دفع أجهزة الأمن إلى تجاهل تقارير استخباراتية داخلية وخارجية، كانت قد حذّرت من تحركات غير تقليدية إسرائيلية.

النتيجة كانت كارثية: استُهدف اجتماع عسكري طارئ في موقع غير مجهز أو محصّن في طهران، ما أدى إلى مقتل عدد من كبار القادة، من بينهم اللواء حسين ناصري، قائد سلاح الجو في الحرس الثوري. كما تعرّضت منشآت استراتيجية في نطنز، أصفهان، شيراز، كرمانشاه وتبريز لأضرار فادحة، من بينها منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز، التي شُلّت قدراتها بشكل شبه كامل.

وقد تابعت إسرائيل ضرباتها للعديد من المواقع العسكرية والمطارات، ولم يتوقف الأمر عند ضربتها الأولى والمفاجئة، بل استمرت الهجمات على مراحل خلال ساعات اليوم، ما فاقم من حجم الأضرار ووسّع رقعة الاستهداف.

ردود مرتبكة وخطوات داخلية عاجلة في إيران

مع بزوغ فجر يوم الهجوم، بدأت القيادة الإيرانية باتخاذ سلسلة من الإجراءات العاجلة داخليًا، شملت:

إعلان حالة الطوارئ في كافة المحافظات.

نقل المرشد الأعلى علي خامنئي إلى منشأة محصّنة شمال طهران.

إقالة مسؤولين في استخبارات الحرس الثوري وفتح تحقيقات في ثغرات أمنية.

تشديد الرقابة الإعلامية وتقييد الإنترنت محليًا.

إخلاء مقار عسكرية وإدارية حساسة في عدة مدن.


هذه الخطوات كانت محاولة للسيطرة على المشهد الداخلي المضطرب، وإرسال رسائل تهدئة للجبهة الشعبية المصدومة من حجم الخرق الأمني.

الرد العسكري: محدود وانفعالي

في الساعات التي تلت الضربة، أطلقت إيران نحو 200 صاروخ وطائرة مسيّرة باتجاه مدن إسرائيلية مثل تل أبيب والقدس، في ردّ بدا متسرعًا وغير منظم، أسفر عن مقتل إسرائيلي واحد وإصابة عدد آخر بجروح. ورغم الوعيد الإيراني، فإن حجم الرد لم يكن بمستوى الهجوم.

لكن بعد مرور نحو 18 ساعة، أقرت القيادة الإيرانية بتنفيذ ردّ "مركّب"، تمثّل في:

دفعات صاروخية مسيّرة استهدفت وزارة الدفاع ومراكز أمنية إسرائيلية.

إعادة تموضع بطاريات الدفاع الجوي من طراز S-300 حول المنشآت النووية.

نشر وحدات من فيلق القدس على تخوم الحدود العراقية والسورية.

تصريحات القيادة الإيرانية: تصعيد محسوب

قال المرشد الأعلى علي خامنئي في بيان مقتضب:
"إسرائيل ستدفع الثمن، صبرنا ليس ضعفًا... والرد آتٍ بما لا يحتسبونه."

توعّد الجنرال إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس، بـ"ردّ استراتيجي يتجاوز الجغرافيا"، مضيفًا أن "هذه الحرب لن تبقى في سماء طهران وتل أبيب فقط."

وأكد العميد شكارجي، المتحدث باسم الجيش، أن "ما حدث هو البداية، والرد الكامل سيتحقق على مراحل."

الدوافع الإسرائيلية: لا مفاوضات تحت تهديد نووي

من جانبها، ترى إسرائيل أن العملية كانت ضرورية وملحّة لمنع إيران من الوصول إلى "العتبة النووية"، خاصة في ظل تقارير غربية أكدت اقتراب طهران من إنتاج سلاح نووي.

الهجوم شمل:

قصفًا جويًا دقيقًا.

عمليات تخريب داخلية مدعومة بمعلومات استخباراتية.

هجمات سيبرانية عطّلت منظومات رادار ودفاع جوي.


وكان من أهداف الضربة إرسال رسالة واضحة مفادها: المفاوضات لا تُلغي خيار الضربة العسكرية إذا ما استدعت الضرورة
الموقف الأميركي: ارتياح خفي وحذر دبلوماسي

رغم أن واشنطن لم تُشارك مباشرة في الضربة، فإن تصريحات مسؤولين أميركيين كشفت عن رضا ضمني:

وصف الرئيس الأميركي الضربة بأنها "خطوة جيدة ومهمة".

صرّح وزير الخارجية ماركو روبيو بأن "العملية كانت دفاعية، وإيران تتحمل مسؤولية التصعيد".

أبدى الكونغرس دعمًا صريحًا لإسرائيل، داعيًا إلى تعزيز التعاون العسكري معها.

في المقابل، عبّرت الإدارة الأميركية عن خشيتها من تحوّل التصعيد إلى حرب شاملة قد تُجبرها على الانخراط المباشر.

مواقف أوروبية متباينة.. وتحذير روسي

فرنسا حمّلت إيران مسؤولية التوتر بسبب برنامجها النووي، لكنها دعت إلى "وقف فوري لإطلاق النار".

بريطانيا أبدت "قلقًا بالغًا"، ودعت إلى "العودة للمسار الدبلوماسي".

ألمانيا والاتحاد الأوروبي دعوا إلى عقد قمة طارئة.

روسيا دانت الهجوم واعتبرته "عدوانًا سافرًا على دولة ذات سيادة".

مرحلة مفصلية في ميزان القوة الإقليمي

الضربة الإسرائيلية كشفت هشاشة الدفاعات الإيرانية، وأعادت رسم خريطة الردع في المنطقة. تقف إيران اليوم أمام خيارين:

الرد الشامل، ما قد يشعل حربًا إقليمية واسعة.

الانكفاء المرحلي، تمهيدًا لاستعادة زمام المبادرة سياسيًا وعسكريًا.

أما إسرائيل، فقد نجحت في فرض معادلة جديدة: لا تفاوض تحت التهديد النووي، والرد العسكري ليس بعيدًا عندما يُمسّ الخط الأحمر الأمني.

وحتى اللحظة، يقف العالم على حافة أزمة حادة وخطرة، فيما لا يزال صوت الدبلوماسية خافتًا أمام أصوات الانفجارات.