الأحد 15 حزيران 2025

إيران تتعرض للهجوم، والعالم يحبس أنفاسه

 


مادالينا شيلانو – روما

كان الظلام لا يزال مخيمًا على سماء إيران في ليلة الخميس والجمعة، حين مزّق دويّ الانفجارات صمت الليل. لم تكن هذه تدريبات عسكرية أو توغلات معزولة، بل كانت إسرائيل قد أطلقت لتوّها عملية "الأسد الصاعد"، وهي واحدة من أكثر الهجمات طموحًا وتنسيقًا ضد إيران في السنوات الأخيرة.
استهدفت العملية مواقع استراتيجية لا تحتمل التأويل: منشآت نووية، قواعد عسكرية، مختبرات أبحاث، وحتى مساكن مرتبطة بضباط في الحرس الثوري الإيراني وعلماء نوويين. ووفقًا لمصادر دولية، نُفذت أكثر من 200 غارة جوية منسقة في عمق الأراضي الإيرانية. وأوضحت تل أبيب أن الهدف كان "ضرب قلب البرنامج النووي" قبل أن يصبح خارج السيطرة.
وكما كان متوقعًا، جاء الرد الإيراني سريعًا. فقد أُطلقت نحو مئة طائرة مسيّرة باتجاه أهداف إسرائيلية، تمكّنت منظومتَا "القبة الحديدية" و"حيتس" الدفاعيتان من إسقاط معظمها. إلا أن الرسالة كانت واضحة: هذا الهجوم لن يمرّ دون عواقب.
أثار الهجوم الإسرائيلي الذي وقع في الليلة ما بين 12 و13 يونيو/حزيران 2025 ردود فعل شديدة من السلطات الإيرانية، التي وصفته بأنه "استفزاز غير مسبوق" و"إعلان حرب صريح".
القيادة الإيرانية ترد
اتخذ المرشد الأعلى، علي خامنئي، موقفًا حازمًا، واصفًا الهجوم بأنه "جريمة" تجاوزت كل "الخطوط الحمراء". وفي خطاب بثّته وسائل الإعلام الرسمية جزئيًا قبل فرض التعتيم، توعّد بأن "النظام الصهيوني سيدفع ثمنًا مريرًا ومؤلمًا". ودعا القوات المسلحة للاستعداد الكامل، دون الإفصاح عن توقيت أو طبيعة الرد.
وقدّمت وزارة الخارجية الإيرانية، عبر نائبها عباس عراقجي، شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة، مؤكدة أن إيران كانت ضحية عدوان مباشر، وطالبت المجتمع الدولي بالتدخل. ووصف عراقجي ما حدث بأنه "إعلان حرب"، داعيًا مجلس الأمن لإدانة إسرائيل وحماية سيادة الجمهورية الإسلامية.
كما توعّدت القوات المسلحة، وعلى رأسها الحرس الثوري، بالرد. ورغم استشهاد القائد حسين سلامي في الهجوم، أكد الحرس الثوري جاهزيته الكاملة، وتم تعيين الجنرال محمد باكبور قائدًا جديدًا، في خطوة تعكس عزم طهران على الحفاظ على قدرة الردع.
احتياطات داخلية مشددة
على الصعيد الداخلي، فرضت السلطات حجبًا شبه كامل للإنترنت، وقيّدت نشر الأخبار عبر وسائل الإعلام الوطنية، خشية أن تؤدي أنباء الهجوم ومقتل كبار المسؤولين إلى اضطرابات أو احتجاجات. كما أُلغيت الفعاليات العامة والدينية، بما في ذلك احتفالات عيد الغدير، التي تحولت في بعض المدن مثل قم إلى مظاهرات عفوية ضد إسرائيل.
الرد الإيراني: طائرات وصواريخ
وفي عملية غير مسبوقة، شنت إيران هجومًا جويًا واسعًا على الأراضي الإسرائيلية فجر 13 يونيو/حزيران. ووفقًا لمصادر عسكرية إسرائيلية، أُطلقت مئات الطائرات المسيّرة الانتحارية من إيران مباشرةً، ومن مناطق يسيطر عليها حلفاؤها الإقليميون، كاليمن والعراق.
ردت إسرائيل على الفور، وفعّلت منظوماتها الدفاعية مثل "القبة الحديدية" و"حيتس" و"مقلاع داوود"، وتمكنت من اعتراض الغالبية العظمى من الطائرات قبل وصولها إلى المناطق المأهولة. لكن الهجوم لم يتوقف عند هذا الحد، إذ تبعته موجة من الصواريخ الباليستية استهدفت مدنًا مثل تل أبيب وحيفا وحتى القدس، مما أجبر آلاف المدنيين على اللجوء إلى الملاجئ.
وعلى الرغم من أن معظم الصواريخ تم اعتراضها، إلا أن بعضها تسبب في أضرار طفيفة للبنية التحتية، وأثار ذعرًا شديدًا بين السكان. وحتى الآن، لم تُسجل أي وفيات، لكن الرسالة الإيرانية كانت صريحة: الرد لن يكون رمزيًا بل متناسبًا.
وصفت السلطات الإيرانية هذا الهجوم بأنه جزء من "عملية العقاب الشديد"، مؤكدةً أنه رد مباشر على "العدوان الصهيوني" الذي استهدف البرنامج النووي وأودى بحياة مسؤولين كبار. وأكد القائد الجديد للحرس الثوري، الجنرال محمد باكبور، أن "إسرائيل لن تكون بعد اليوم ملاذًا آمنًا"، وأن طهران مستعدة "للمضي قدمًا إذا لزم الأمر".
قلق دولي ودعوات للتهدئة
يتابع المجتمع الدولي تطورات الوضع بقلق بالغ. فقد دعت الولايات المتحدة إلى خفض التصعيد، بينما أدانت دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا الهجوم الإسرائيلي، وطالبت الطرفين بوقف دوامة العنف. كما دعت الأمم المتحدة إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن لمناقشة احتمال اندلاع صراع شامل في الشرق الأوسط.
الدبلوماسية في حالة إنذار
وفي بيان صدر عن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، أعرب أنطونيو غوتيريش عن "قلقه البالغ إزاء التصعيد العسكري في الشرق الأوسط"، داعيًا إلى أقصى درجات ضبط النفس. وأكد أن المنطقة لا تحتمل صراعًا جديدًا واسع النطاق.
وأشار غوتيريش إلى توقيت الهجوم الإسرائيلي، الذي جاء بينما كانت مفاوضات سرية جارية بين إيران والولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي، معتبرًا أن الهجوم قد يقوّض أشهرًا من الجهود الدبلوماسية.
أما سلطنة عُمان، فعبّرت عن موقف حاسم من خلال بيان رسمي من العاصمة مسقط، وصفت فيه العملية الإسرائيلية بأنها "تصعيد خطير"، واتهمت تل أبيب بمحاولة تقويض مساعي الحوار. ودعت المجتمع الدولي إلى "اتخاذ موقف ضد هذا الانحراف الخطير".
موقف وكالة "أصداقة": "عدوان بمشاركة أمريكية"
في وقت متأخر من صباح الجمعة، نشرت وكالة "أصداقة نيوز" بيانًا رسميًا أدانت فيه عملية "الأسد الصاعد" بشدة، ووصفتها بـ"الهجوم العسكري الوحشي وغير المقبول". وأشارت الوكالة إلى أن الولايات المتحدة ليست مجرد طرف خارجي، بل شريك في التخطيط والتغطية السياسية للهجوم.
وأكدت الوكالة أن هذا التصعيد يهدد استقرار المنطقة بأسرها، ودعت إلى تدخل عاجل من المجتمع الدولي لوضع حد لهذه الدوامة المدمرة.
إسرائيل: لا نريد الحرب، لكن لا يمكننا الانتظار
من جانبه، تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤكدًا أن إيران تشكل "تهديدًا وجوديًا"، وأن العملية جاءت لمنع "كارثة أكبر بكثير". وقال: "لا نريد الحرب، لكن لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي بينما يقترب نظام معادٍ من امتلاك قنبلة نووية. التحرك الآن واجب، لا خيار".
على حافة الهاوية
وبينما لا تزال الطائرات المسيّرة تحلق وصفارات الإنذار تدوي في كلا البلدين، يراقب العالم الوضع بقلق متزايد. عملية "الأسد الصاعد" ليست مجرد عملية عسكرية بل شرارة قد تُشعل صراعًا إقليميًا واسع النطاق.
الخط الفاصل بين الردع والحرب الشاملة بات رقيقًا جدًا، والساعات المقبلة ستكون حاسمة. وفي ظل هذه التطورات، يتوحد صوت العديد من الأطراف، من غوتيريش إلى عُمان، ومن وكالة "أصداقة" إلى الشارع العربي:
كفى، قبل أن يتحول زئير الأسد إلى عويل منطقة تحترق بالكامل.