بقلم: مادالينا شيلانو – روما | النهار الإخبارية
في لحظة إقليمية حساسة يخيّم عليها التصعيد المتجدد بين إيران وإسرائيل، وتجدد الجدل الدولي حول الملف النووي الإيراني، برزت مداخلة للسفير الإيراني لدى الكرسي الرسولي، محمد حسين مختاري، أعاد فيها التأكيد على ثوابت الخطاب السياسي الإيراني في قضايا السيادة الوطنية، وتحديدًا في ما يتعلق بحق التخصيب النووي، ورفض التدخلات الدولية في الشأن الداخلي الإيراني.
في تصريح أدلى به أمام الصحافة، شدد مختاري على أن "لا أحد يستطيع أن يطلب من إيران عدم تخصيب اليورانيوم"، معتبرًا أن بلاده تمارس "حقًا سياديًا ومشروعًا" يكفله القانون الدولي، وبالأخص معاهدة حظر الانتشار النووي، التي تتيح للدول الأعضاء تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية. وقد حملت مداخلته نبرة حازمة في مواجهة ما اعتبره ضغوطًا غربية، وخصوصًا من الولايات المتحدة وإسرائيل، لوقف البرنامج النووي الإيراني.
هذا الموقف يتقاطع مع تصاعد المخاوف الدولية حيال تطورات هذا الملف، لا سيما بعد إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران رفعت مستوى تخصيب اليورانيوم إلى حدود 60%، وهي نسبة تقترب من العتبة المطلوبة للاستخدامات العسكرية (90%). ورغم أن الوكالة لم تؤكد وجود نية لتصنيع سلاح نووي، فإن الشكوك الغربية لم تتراجع، خصوصًا في ظل السياق الإقليمي المتوتر والتوترات المتكررة بين طهران وتل أبيب.
أما في الشق المتعلق بحقوق الإنسان، فقد رفض السفير الإيراني الانتقادات الموجهة إلى بلاده بشأن أحكام الإعدام، والاعتقالات السياسية، والتعامل الأمني مع الاحتجاجات، وعلى رأسها تلك التي أعقبت وفاة الشابة مهسا أميني عام 2022. واصفًا هذه الملفات بأنها "شؤون داخلية"، لا يجوز لأي جهة خارجية أن تتدخل فيها. وقد بدا هذا الموقف تكرارًا لنهج تقليدي في السياسة الإيرانية، يقوم على تأكيد الاستقلال والسيادة الوطنية في مواجهة الانتقادات الغربية.
رغم أن هذه المقاربة تجد صدى في بعض الدول التي ترفض ما تعتبره "فرضًا للنموذج الغربي لحقوق الإنسان"، إلا أن المنظمات الحقوقية الدولية لا تزال تُصعّد من انتقاداتها لإيران، على خلفية ما تصفه بانتهاكات ممنهجة تطال حرية التعبير وتكوين الجمعيات، فضلاً عن التضييق على المرأة والناشطين السياسيين.
في المقابل، تحافظ الفاتيكان على علاقات دبلوماسية مستقرة مع الجمهورية الإسلامية، قائمة على الاحترام المتبادل والانفتاح على الحوار. ويتبنى الكرسي الرسولي سياسة تفضّل الدبلوماسية الهادئة والحوار الصامت على الإدانة العلنية، إدراكًا منه للدور المحوري الذي تؤديه إيران في العالم الإسلامي الشيعي، وحرصًا على إبقاء جسور التفاهم قائمة في زمن تتزايد فيه الانقسامات والتوترات الدينية والسياسية.
هكذا، تتجاوز مداخلة السفير الإيراني مجرد تأكيد على موقف سياسي تقليدي، لتدخل في إطار أوسع من الجدل الدولي حول مفاهيم السيادة، والمعايير العالمية لحقوق الإنسان، وحدود التدخل الدولي. كما تعكس المواجهة المستمرة بين إيران وبعض الأطراف الغربية، ليس فقط حول ملفها النووي أو سياساتها الداخلية، بل أيضًا حول رؤية مختلفة للنظام الدولي، وأدوار الفاعلين فيه.
في عالم يشهد تحولات عميقة نحو التعددية القطبية، تأتي هذه التصريحات كتعبير عن مطالبة إيران بما تعتبره حقها في أن تُعرّف ذاتها بقيمها وقوانينها الخاصة، خارج وصاية أو إملاء من قوى كبرى. وهو ما يجعل المشهد أشبه بصدام نماذج، لا مجرد خلاف سياسي، في ساحة دولية تزداد تعقيدًا وتشظيًا.