الثلاثاء 23 كانون الأول 2025

تقارير وتحقيقات

تفشي ظاهرة التسول ينذر بمخاطر إجتماعية خطيرة في شوارع المدن اللبنانية


وكالة النهار الاخبارية/عبد معروف

ضاعفت الأوضاع المعيشية المتردية، والانهيار الاقتصادي والارتفاع الجنوني لأسعار السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية من أعداد المتسولين في شوارع وأحياء المدن اللبنانية.

ولا يخلو شارع أو ساحة من وجود أعداد كبيرة من المتسولين، كل يمد يده للتسول لعذر أو لسبب خاص به، لكنها بالعموم، هي حالات الفقر والعوز والغلاء والبطالة التي وصلت إلى نسب لم يعد بالإمكان تحملها، وهي تتجه إلى المزيد من التفاقم.
في سوق صبرا  قرب بيروت، يسأل أحد المارة عن سعر الخضار أو الفواكه، يجد أن السعر قد تضاعف عن الأمس، يواصل طريقه دون شراء حاجته.
وسوق صبرا، هو شارع يمتد من مخيم شاتيلا إلى محطة الدنا في الطريق الجديدة، سوق يقصده الفقراء لشراء حاجاتهم من خضار وفواكه ومواد استهلاكية أخرى، نظرا للأسعار غير المرتفعة كما يعرف منذ ما قبل 1982، ورغم ذلك فالأسعار تضاعفت كثيرا عما كانت عليه قبل ثلاث أو أربع سنوات.
في سوق صبرا، يتوزع المتسولون عند الزوايا وأمام المحلات، يمدون أيدهم طلبا لصدقة، أو يحملون ورقة يصفون فيها حالتهم أو ورقة دواء من طبيب أو اسم علبة حليب لم تتمكن من شرائها لطفلها.
لا أحد منهم يريد الكلام، ويرفضون التصوير، بل يطلبون المال والمساعدة، وقالت امرأة تحمل طفلها قرب مسجد الدنا وسط سوق صبرا، "أحتاج لدواء لابني المريض، أحتاج لرغيف خبز أطعمه وأطعم نفسي ”.
أمام مدخل جامعة بيروت العربية في الطريق الجديدة وتحت جسر الكولا تضاعف عدد المتسولين بصورة ملفتة، وعن سبب وجود هذا العدد الكبير من المتسولين قال أحد أصحاب المحلات التجارية: "إنهم حقا فقراء، لا يملكون المال، يحتاجون للقمة عيش ولدواء، لم يعد الشعب يسأل عن قسط مدرسة أو لعبة لولده، بل يحتاج لدواء وطعام، لذلك كان المتسولون قبل سنوات قليلة أقل من الموجود الآن، ولو عدتم بعد أشهر ستجدون الأعداد مضاعفة، وقال وهو يشير بيده "اذهبوا إلى هناك حيث تقف باصات (اوتوبيسات) النقل وسترون من يستلقي على الأرض ويمد يده طالبا رغيف خبز”.
وتابع القول "يطلبون منا التحمل والصبر، ولكن إلى متى، يدفعون الفقراء للتسول وارتكاب الجرائم، ويدفعون من لديه القدرة على السفر أن يغادر إلى غير رجعة، ولكن إلى أين؟”.
في مدينة صيدا الحال لا يختلف عن الوضع في بيروت، ففي صيدا يتوزع المتسولون في سوق الخضار، وشارع الأوقاف، وساحة النجمة، وشارع المصارف، وتقاطع سبينس وتقاطع إيليا.

امرأة تقف مع ابنتها عند إشارة السير تقاطع إيليا، وعند لحظات الاشارة الحمراء، تطرق الزجاج، تسأل عن صدقة، وتشير إلى فمها بأنها جائعة، البعض يقدم لها بعض النقود، وبعض آخر يقدم لها خبزا أو طعاما أو قطعة فواكه، تحتضنها وتركض تحت شجرة مقابل محل الناتوت، تأكلها بشراهة ثم تعود وتحاول مرة أخرى.

وفي صيدا أيضا وسط شارع الأوقاف، يجلس رجل تجاوز عمره السبعين عاما، يحمل ورقة طبيب كتب عليها اسم الدواء الذي يحتاجه بسبب مرضه، يقف يتسول ويستجدي المارة ليحصل على مبالغ صغيرة يمكن له جمعها لشراء الدواء.
أما في مدينة صور، فعشرات المتسولين يقصدون المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية، يحاول أصحاب المقاهي والمطاعم طردهم، لكنهم عبثا يحاولون، لأن في هذا التسول مصدر رزق ومكان يلتقط فيه الفقير لقمة عيش أو رغيف خبز أو مبلغا من المالي يشتري به دواء.

ظاهرة التسول تضاعفت بشكل غير مسبوق في هذه الأيام داخل المدن اللبنانية، اليوم وبجولة على المدن اللبنانية أكدت أن ظاهرة التسول أصبحت كأي ظاهرة من مظاهر الحياة في لبنان ومعلما يشير إلى ما وصل إليه لبنان من أوضاع.

توجهت "وكالة النهار الإخبارية" بسؤال إلى المتخصص في علم الاجتماع الدكتور محمد سعد بسؤال حول مخاطر تفشي ظاهرة التسول في المدن اللبنانية، حيث أجاب: مخاطر تفشي هذه الظاهرة هو مؤشر على المدى الذي وصل إليه المجتمع اللبناني من فقر وعوز وانحلال اجتماعي خطير، وأخطر ما في هذه الظاهرة هو استعمال الأطفال للتسول وتشردهم في الشوارع والأحياء يمدون أيديهم ما يشكل خطرا على الاجيال القادمة، بسبب الاحتمالات الكبيرة لانشار الأمراض الجسدية والنفسية المزمنة  أبرزها تفشي الأمية ومتابعة دراستهم ونموهم دون مهنة للعمل، واحتمال تحولهم إلى مجرمين.
أمام حالة الانهيار المعيشي وارتفاع الأسعار، وحالات الفقر، تضاعفت أعداد المتسولين في شوارع وأحياء المدن اللبنانية، ما يجعل من معالجتها أمرا في غاية الصعوبة، لأن المعالجة لا تبدأ من قمع الظاهرة ومطاردة المتسولين، بل المعالجة تحتاج لأكثر من ذلك، تحتاج لمؤسسات دولة قادرة وعادلة.