صيدا – 22 حزيران 2025 – عصام حلبي
على يمين أول كوع صعودًا نحو ساحة سيروب، في الركن الشمالي الغربي من المنطقة، يقع حيّ "الطريق الجديد"… اسمٌ يوحي بالتجدد، لكن الواقع يقول شيئًا آخر. هنا، الحياة توقفت عند أزمة متكررة، لكنّها هذا العام أكثر خنقًا: العطش.
للأسبوع الرابع على التوالي، يعيش سكّان الحيّ أزمة مياه خانقة تزداد تفاقمًا مع كل يوم يمر. الصنابير جافة، والأمّهات يوزّعن ما تيسّر من مياه الشرب والغسل على أفراد العائلة كما يُوزَّع الدواء: بحذر وقلّة وحساب.
في هذا الحي السكني المكتظ، الذي يضم خليطًا من اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين، تحوّلت المياه من حق أساسي إلى امتياز لا يناله الجميع. صهاريج المياه – التي يُفترض أن تكون الحلّ البديل – لم تعد تكفي. الطلب كبير، والسعر مرتفع: 400 ألف ليرة لبنانية لصهريج الألف ليتر، ما يتجاوز قدرة الكثيرين من أبناء هذا المجتمع المتعب أصلًا من ضغوط الحياة اليومية.
إحدى النساء – فضّلت عدم ذكر اسمها – تجلس قرب مدخل منزلها، تحضن سطل ماء، وتهمس لنا باسم مستعار: "أم محمد". تقول بصوت يحمل كل التعب:
"صرنا نغسل وجنا بكم نقطة، وبنخبّي مي الجلي للغسيل... حتى الصهاريج ما بقت تكفينا، وكل الناس طالبة مي".
أسباب الأزمة باتت واضحة ومعلومة للجميع: انقطاع حاد في التيار الكهربائي، مع غياب مادة المازوت لتشغيل المولدات، ما يعني توقف محطات ضخ المياه. ووفق شهادات السكّان، فإن تشغيل المحطة يتم فقط في الساعتين النادرتين اللتين يصل فيهما التيار كل 12 إلى 16 ساعة. النتيجة؟ شلل كامل في تزويد البيوت بالماء.
السكّان أطلقوا مناشدات متكررة للجهات المعنية، يطالبون فيها بتأمين المازوت وتشغيل المحطات بشكل دائم. التحذيرات تزداد: الوضع لم يعد يُحتمل، خصوصًا مع اقتراب الصيف اللاهب، وارتفاع درجات الحرارة، ما ينذر بتداعيات صحية وبيئية خطيرة.
"لا تندهي... ما في حدا"، تردّدها "أم محمد" بنبرة أقرب إلى الحكمة الشعبية، منها إلى الاستسلام. لكن العبارة أصبحت لسان حال الجميع هنا: أنين الفقراء لا يُسمع، وصرخاتهم تضيع في صمت الجهات الغائبة.
في "الطريق الجديد"، لا جديد سوى العطش.
الناس يواصلون صبرهم، يملأون السطول من الجيران حين تتوفر قطرة، ويدفعون ما فوق طاقتهم إن وجدوا صهريجًا، ويعدّون الأيام حتى تُسمع استغاثاتهم... إن سُمعت.