عصام الحلبي- النهار الاخبارية - وكالات
يتصاعد الجدل في الأوساط السياسية الألمانية حول استمرار تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وسط تزايد الاتهامات باستخدام هذه الأسلحة في انتهاكات كبيرة وخطيرة للقانون الدولي في قطاع غزة. أبرز هذه الأصوات جاءت من داخل الحكومة الائتلافية نفسها، حيث دعت فرانسيسكا برانتنر، رئيسة حزب الخضر، إلى فرض حظر جزئي على تصدير الأسلحة الألمانية التي يُحتمل استخدامها في العمليات العسكرية الإسرائيلية وقصف المدنيين في غزة.
وقالت برانتنر في تصريحات نقلتهت صحيفة دير شبيغل الألمانية، إن "استمرار تسليم الأسلحة دون قيود قد يشكل انتهاكاً للقانون الدولي، وعلى الحكومة اتخاذ موقف واضح في هذا الشأن". وأكدت أن هناك "مزاعم خطيرة" تفيد بأن جنودًا إسرائيليين تلقوا أوامر بإطلاق النار على مدنيين عزّل بالقرب من نقاط توزيع المساعدات، مشيرة إلى مقتل أكثر من 400 فلسطيني أثناء محاولتهم الحصول على الطعام.
وبرغم حرصها على تأكيدها على "الحق المشروع لإسرائيل في الدفاع عن نفسها"، شددت برانتنر على أن هذا الحق "لا يمكن أن يشمل قتل المدنيين وتجويع السكان، أو تقويض القانون الدولي الإنساني". ودعت إلى وضع آليات مراقبة دقيقة تضمن عدم استخدام الأسلحة الألمانية في عمليات قصف المدنيين أو ارتكاب جرائم حرب في غزة.
تحذيرات من التورط القانوني
لم تكن برانتنر الصوت الوحيد في هذا الاتجاه، إذ أعرب وزير الخارجية الألماني، يوهان ف. واديبول، عن استعداد حكومته لإعادة تقييم صادرات السلاح إلى إسرائيل في ضوء تقارير حقوق الإنسان، قائلاً إن برلين "لن تغض الطرف عن الاستخدام غير المشروع لأي معدات عسكرية تُنتج على أراضيها".
كما برزت مواقف مشابهة من عدد من نواب الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)، حيث دعا نواب بارزون مثل رافيل شتينغر وأديس أحمدوفيتش إلى وقف فوري لصادرات الأسلحة، معتبرين أن استمرارها قد "يُعرّض ألمانيا للمساءلة القانونية أمام المحاكم الدولية، ويقوض صورتها كدولة تحترم مبادئ حقوق الإنسان".
مناشدات داخل الإدارة الألمانية
في سابقة لافتة، وقع أكثر من 600 موظف حكومي ألماني رسالة موجهة إلى الحكومة الفيدرالية، تطالب بـ"وقف تام لصادرات الأسلحة لإسرائيل"، معتبرين أن استمرار هذه السياسة "يمثل خرقًا للقانون الدولي ولمبادئ الدستور الألماني الذي يضع حماية الكرامة الإنسانية فوق أي اعتبار".
وفي السياق ذاته، أطلقت منظمات حقوقية ألمانية مثل المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR)، دعاوى قضائية أمام المحاكم الفيدرالية، تتهم فيها الحكومة بانتهاك قوانين التصدير عبر تمكين إسرائيل من استخدام أسلحة ألمانية في عمليات عسكرية ضد المدنيين.
موقف الرأي العام الألماني
وفقًا لاستطلاعات رأي عديدو آخرها أُجري في يونيو 2025، أيد أكثر من 73% من الألمان فرض رقابة صارمة على صادرات الأسلحة، بينما أيد 30% منهم حظرًا كاملاً على تسليح إسرائيل في ظل الظروف الراهنة. ويدلل هذا التحول على قلق متزايد في الشارع الألماني إزاء مسؤولية بلادهم الأخلاقية والقانونية عن استخدام السلاح في صراعات دامية.
في مواجهة مواقف اليمين
تتعارض هذه الدعوات مع مواقف أكثر تحفظًا أو داعمة لإسرائيل داخل الحكومة، خصوصًا من أوساط حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، حيث يرفض بعض المسؤولين، وعلى رأسهم المستشار فريدريش ميرز، التسرع في وقف صادرات السلاح. إلا أن ميرز نفسه صرّح مؤخرًا بأن "ما يجري في غزة بات يصعب تبريره أخلاقيًا"، في إشارة إلى تحول جزئي في خطاب المحافظين.
بين الأخلاق والمصالح
تعكس مواقف برانتنر والعديد من المسؤولين الألمان قلقًا عميقًا من التورط الأخلاقي والقانوني في ما يُعتبر واحدة من أكثر العمليات العسكرية دموية وفظاعة في قطاع غزة والتي وصلت الة حد الإبادة الجماعية. وبينما تستمر الحكومة الألمانية في الموازنة بين دعمها التقليدي لإسرائيل والتزاماتها بالقانون الدولي، يزداد الضغط من الداخل ومن الشارع الألماني لتعديل هذه السياسة ومساءلتها.
وفي ظل توسّع نطاق الجرائم والمجازر المعلنة والموثقة في غزة، قد تجد ألمانيا نفسها قريبًا أمام لحظة قرار حاسمة، إما الاستمرار في تصدير السلاح بشروط غامضة، أو إعادة صياغة سياساتها بما ينسجم مع المبادئ التي طالما تباهت بالدفاع عنها.