احمد صلاح عثمان – النهارالاخباريه قسم التحليل
رغم الاختلاف الجذري بين المشروع العقائدي الإيراني القائم على ولاية الفقيه، والمشروع الحركي–الدعوي لجماعة الإخوان المسلمين، فإن الطرفين تمكّنا — عبر مسارات غير علنية غالبًا — من تأسيس أرضية مشتركة ترتكز على "قضية واحدة”: الصراع مع إسرائيل. هذا الاشتباك السياسي تحوّل لاحقًا إلى أداة خطابية وأيديولوجية وفرصة تعبئة جماهيرية، استُخدمت لتبرير مواقف، وتعزيز نفوذ، واستقطاب جماهير، وبناء شرعية مقاومة.
إحدى أدوات هذه التعبئة — وإن لم يُعلن عنها رسميًا — هي تغذية خطاب العداء للسامية عبر مزج السياسي بالديني، وتحويل الصراع من صراع سياسي قابل للتفاوض إلى صراع وجودي–ديني مع "اليهود” كجماعة، وليس مع إسرائيل كدولة.
أولًا: الجذر الخطابي للمشكلة — من رفض إسرائيل إلى شيطنة اليهود
كلا الطرفين — إيران والإخوان — تبنّيا في مراحل مختلفة خطابًا يتجاوز نقد السياسات الإسرائيلية ليصل إلى خطاب جوهري ضد اليهود كجماعة دينية وإثنية.
هذه الاستراتيجية الخطابية تُحقق عدة أهداف:
تحويل الصراع إلى مساحة تعبئة مفتوحة
فحين يصبح "العدو” دينًا وليس دولة، يُصبح الصراع غير قابل للتفكيك أو الحلّ السياسي، بل يتحوّل إلى صراع مطلق ومستمر، يسهل استخدامه في:
•التحشيد الشعبي،
•إضفاء الشرعية الدينية،
•تبرير العسكرة،
•وصناعة الرمزية السياسية.
2. خلق هوية مقاومة عابرة للطوائف
إيران تحتاج خطابًا يخترق الجمهور السني، والإخوان يحتاجون سردية "مقاومة” تعوّض خسائرهم السياسية الإقليمية.
خطاب "العداء لليهود” يوفر جسراً مشتركاً، لأنه لا يرتبط بمذهب أو طائفة.
3. إنتاج عدو خارجي دائم
وجود "عدو يهودي” واحد يعيد ترتيب الأولويات ويمنح الطرفين قدرة على تبرير تدخلاتهما الإقليمية.
ثانيًا: القضية الفلسطينية كواجهة لتكريس الخطاب
1. إيران: تصدير الثورة عبر "المظلومية الفلسطينية”
إيران وجدت في فلسطين أداة لاختراق الوعي العربي، وتجاوز العائق الطائفي.
وبينما ترفع شعار "تحرير القدس”، تعمل فعليًا على:
•دعم فصائل مسلحة ترتبط بها ماليًا وأمنيًا،
•إنتاج خطاب ديني يعتبر الصراع مع إسرائيل صراعًا مع "اليهودية العالمية”،
•خلق صورة "الدولة الراعية للمقاومة” بهدف تعزيز نفوذها الإقليمي.
هذا الاستخدام المكثّف للقضية الفلسطينية ساهم في تغذية خطاب السامية بوصفه رافعة سياسية.
2. الإخوان: من براغماتية سياسية إلى مزج ديني–أيديولوجي
أجنحة الإخوان — خصوصًا تلك العاملة خارج الإطار المؤسسي للدولة — تبنّت خطابًا دينيًا ضد اليهود تاريخيًا، جرى توظيفه على مرّ عقود داخل أدبياتهم، وشعاراتهم، وبعض مناهجهم.
عبر هذا الخطاب:
•يُعاد إنتاج صورة "اليهود" كخصم ديني–أزلي،
•تُربط السياسة بالعقيدة،
•تُقدّم الجماعة نفسها كصاحبة "رسالة مقدسة” لا كجهة سياسية عادية.
وهنا يصبح الارتباط بإيران أكثر قابلية للتبرير أمام قواعدهم، بما أن الطرفين يتشاركان "عدوًا دينيًا”.
ثالثًا: الفصائل الفلسطينية كأداة تنفيذية للتحالف غير المعلن
الفصائل الفلسطينية — سواء تلك المحسوبة على الإخوان (مثل حماس)، أو المحسوبة على إيران (مثل الجهاد الإسلامي) — أصبحت واجهة عملية للتحالف البنيوي بين الطرفين.
. حماس: نقطة التقاء براغماتية بين الإخوان وإيران
رغم الخلافات العقائدية، أصبحت حماس:
•المستفيد الأكبر من التمويل الإيراني،
•أداة إيران لضرب إسرائيل بالوكالة،
•وفي الوقت نفسه، ورقة الإخوان لاستعادة شرعية "المقاومة" بعد تراجع نفوذهم السياسي.
خطاب حماس الإعلامي يوحّد المنهجين:
خطاب ديني تعبوي + سردية ثورية إيرانية + عداء شمولي لإسرائيل واليهود.
. الجهاد الإسلامي: الذراع الأكثر قربًا لإيران
الجهاد الإسلامي يمثل النموذج المثالي للخطاب الديني–الثوري الإيراني:
عداء مطلق لليهود، رفض كامل لأي مسار سياسي، وصراع وجودي مفتوح.
تشكّل الفصائل منصة عملية لبناء تحالف إخواني–إيراني غير معلن، يقوم على:
•الاستفادة المتبادلة من العداء لليهود،
•تحويل الصراع الفلسطيني من قضية تحرر وطني إلى صراع ديني شامل،
•تسويق "محور المقاومة” كحامل لخطاب عدائي عابر للطوائف.
رابعًا: لماذا يشكل هذا الخطاب خطرًا سياسيًا وأمنيًا؟
. تشويه الصراع الفلسطيني
تحويل الصراع من سياسي إلى ديني يَسلب الفلسطينيين القدرة على طرح قضيتهم كقضية تحرر وطني، ويضعها داخل إطار عقائدي ضيق.
. إنتاج التطرف في البيئات العربية والسنية
الخطاب القائم على "اليهودية كعدو” يخلق موجات تطرف، ويزيد احتمالات العنف بسبب:
•التحريض الديني،
•صناعة كراهية جمعية،
•خلط الهوية السياسية بالدينية.
. توظيف العداء للسامية كغطاء للنفوذ الإيراني
إيران تستخدم هذا الخطاب لتبدو "زعيمة للمقاومة" لا "دولة توسعية"، وهو ما يخدع قطاعات من الجمهور السني.
. إضعاف أي مسار تسوية عادل
خطاب العداء الديني يصنع جدارًا نفسيًا يمنع أي إمكانية لحل سياسي مستقبلي
الخلاصة
التحالف بين إيران والإخوان ليس تحالفًا دينيًا أو أيديولوجيًا، بل هو تحالف وظيفي يقوم على:
•استثمار الصراع مع إسرائيل،
•وتحويل القضية الفلسطينية إلى منصة تعبئة،
•وتغذية خطاب معادٍ للسامية لتثبيت شرعية "المقاومة”،
•وتقديم نفسها كحركات تمثّل المسلمين في مواجهة "عدو ديني”.
غير أن هذا التحالف يعيد إنتاج كراهية دينية خطيرة، ويشوّه جوهر القضية الفلسطينية، ويحوّلها إلى أداة صراع سياسي بين مشاريع إقليمية.