الأربعاء 11 حزيران 2025

فشل استفتاء في إيطاليا حول تقليص مدة الإقامة للحصول على الجنسية


روما - طلال خريس

فشل الاستفتاء الشعبي في إيطاليا، الذي دعت إليه قوى يسارية ونقابات عمالية، في إحداث تعديل قانوني يتيح تقليص مدة الإقامة اللازمة للحصول على الجنسية الإيطالية من عشر سنوات إلى خمس سنوات. وقد أُجري التصويت يومي الأحد والاثنين، إلا أن نسبة المشاركة لم تتجاوز 30%، وهو ما حال دون تحقيق النصاب القانوني المطلوب لنجاح الاستفتاء، والذي يفرض مشاركة ما يزيد عن 50% + 1 من الناخبين المسجلين.

الاستفتاء جاء بمبادرة من أحزاب المعارضة والمنظمات غير الحكومية، بعد أن جمعت أكثر من 500 ألف توقيع في أيلول الماضي، وفق ما يقتضيه القانون الإيطالي لتفعيل التصويت الشعبي. وقد قُسمت أصوات المشاركين في الاستفتاء إلى 60% مؤيدين و40% معارضين، إلا أن تدني نسبة المشاركة أفشل الاستحقاق.

وبحسب معظم الصحف الإيطالية الصادرة صباح اليوم ، فإن من بين أبرز أسباب فشل الاستفتاء، عزوف المواطنين عن التوجه إلى صناديق الاقتراع في ظل موجة الحر الشديد التي دفعت الكثيرين منهم تفضيلهم الذهاب إلى الشواطئ والمنتجعات الصيفية، ما أثر بشكل مباشر على نسبة المشاركة.

 وتضمن الاستفتاء مقترحًا بتعديل قانون الجنسية، بحيث يُمنح الأجانب المقيمون بشكل قانوني في إيطاليا، ممن لديهم راتب ثابت، ويتقنون اللغة الإيطالية، ولم يرتكبوا أي جرم، الحق في التقدم للحصول على الجنسية بعد خمس سنوات من الإقامة فقط، بدلًا من المدة الحالية وهي عشر سنوات. وكان من هذا التعديل لو أقر أن يغيّر حياة ما يقارب 2.5 مليون شخص مقيم في البلاد، بينهم مليون شاب وطفل نشأوا في إيطاليا، يدرسون في مدارسها، ويعيشون فيها كأنها وطنهم الوحيد، ولكنهم يُعاملون قانونياً كأجانب.

وكان الهدف من المبادرة – كما أكدت القوى الداعية إليها – تسريع إجراءات الحصول على الجنسية وليس تبسيطها، خصوصًا لمن يستوفون الشروط القانونية والمعيشية واللغوية.



بموجب القانون الساري، فإن أي شخص من خارج الاتحاد الأوروبي (extracomunitario) لا يملك صلة قرابة أو زواج بمواطن إيطالي، يجب أن يقيم بشكل قانوني في البلاد لمدة لا تقل عن عشر سنوات قبل التقدم بطلب للحصول على الجنسية. وتعد هذه المدة طويلة مقارنةً بدول أوروبية أخرى مثل فرنسا وألمانيا، حيث تكفي إقامة قانونية لمدة خمس سنوات فقط. كما تقلّصت في السنوات الأخيرة المساعدات الاجتماعية والصحية المقدمة للمقيمين في البلاد، ما زاد من تعقيد أوضاعهم القانونية والمعيشية.

وفي حال إقرار التعديل، كانت إيطاليا ستصبح على قدم المساواة مع دول أوروبية أخرى من حيث شروط التجنيس، وهو ما كان يأمله الكثير من المدافعين عن حقوق المهاجرين والمقيمين.

موقف الحكومة 

رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، زعيمة حزب "فراتيلي ديتاليا" اليميني، التي تولت السلطة في عام 2022 ضمن برنامج انتخابي مناهض للهجرة، أعلنت رفضها القاطع لهذا التعديل. واعتبرت أن قانون الجنسية الحالي "ممتاز" و"منفتح للغاية"، وهو الموقف الذي تبنّته أيضًا أحزاب يمين الوسط الداعمة للحكومة.

وفي سياق تشديد قوانين الهجرة والجنسية، قيدت الحكومة في آذار الماضي شروط الحصول على الجنسية عن طريق النسب، بحيث بات يقتصر الأمر على الأجانب الذين تربطهم صلة مباشرة بآباء أو أجداد إيطاليين، بعد أن كان من الممكن سابقًا تتبع النسب لعدة أجيال.

ورغم موقف الحكومة الرافض، كشفت بيانات "يوروستات" أن إيطاليا منحت الجنسية في عام 2023 لـ213,500 شخص، ما يمثل خُمس جميع حالات التجنيس في الاتحاد الأوروبي، وكانت الغالبية الساحقة من هؤلاء من خارج الاتحاد الأوروبي، وبشكل خاص من ألبانيا والمغرب، إضافة إلى الأرجنتين والبرازيل.

 تحرير سوق العمل

الاستفتاء الذي فشل لم يقتصر فقط على مسألة الجنسية، بل شمل أيضًا التصويت على إلغاء أربعة قوانين لتحرير سوق العمل، وهو ما كانت تطالب به الكونفدرالية العامة الإيطالية للعمل (CGIL)، أكبر نقابة عمالية في البلاد. وقد جمعت النقابة بدورها 500 ألف توقيع لتفعيل الاستفتاء.

الهدف من هذا المحور من الاستفتاء كان إعادة تطبيق التدابير الوقائية ضد العقود غير المستقرة، وعمليات التسريح، وحوادث العمل التي تم إلغاؤها في السنوات الماضية. ففي ظل سياسات السوق المفتوح، بات أرباب العمل يعتمدون بشكل كبير على عقود قصيرة الأمد – غالبًا لثلاثة أشهر – يتم تجديدها بشكل مؤقت، ما أدّى إلى تراجع حاد في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال والعاملين في قطاع الخدمات.

 وفي المحصلة جاءت نتيجة الاستفتاء لتشكل انتكاسة واضحة لأحزاب المعارضة والمنظمات الحقوقية التي كانت تأمل في إحداث تغيير قانوني كبير يخدم شريحة واسعة من السكان، خصوصًا الأجانب المقيمين. كما كشف الفشل عن الهوة القائمة بين الحراك المدني والمؤسساتي وبين المزاج الشعبي العام، الذي يبدو أقل تجاوبًا مع قضايا الهجرة وحقوق العمال، خصوصًا في ظل تصاعد النفوذ السياسي لليمين.

وفي حين تُواصل الحكومة الحالية تشديد الإجراءات المرتبطة بالهجرة والتجنيس وسوق العمل، يبقى مصير ملايين المقيمين والمهاجرين مرتبطًا بتطورات السياسة الداخلية الإيطالية، وتوازن القوى بين مكوناتها.