الثلاثاء 1 تموز 2025

المدّ الشيعي في تونس: بين تغلغل ناعم وصمت رسمي


بهيجة البعطوط تونس

منذ إعلان الإجراءات الاستثنائية في 25 جويلية 2021، التي مكّنت الرئيس قيس سعيّد من تركيز السلطات بيده، بدأت تظهر مؤشرات على تحوّلات صامتة في البنية الدينية والثقافية التونسية، كان أبرزها ما وصفه مراقبون بـ"المدّ الشيعي الإيراني"، في بلد عُرف تاريخيًا بانسجامه المذهبي وتجانسه العقائدي داخل الإطار السني المالكي.

رغم أن تونس لم تشهد في تاريخها الحديث انقسامات مذهبية أو طائفية، فإن تقارير إعلامية وشهادات ميدانية بدأت تتحدث عن نشاط متزايد للمركز الثقافي الإيراني في تونس، إلى جانب منظمات أهلية مدعومة بتمويلات خارجية يُعتقد أنها ذات صلة بدوائر إيرانية. هذه الكيانات تنشط وفق مراقبين في الترويج لخطاب شيعي عقائدي، يُعرض في بعض المناطق على شكل نشاطات ثقافية ودينية "ناعمة".

ومن بين أبرز التحوّلات التي لفتت الانتباه، ظهور ما يشبه "الحسينيات" – وهي مجالس دينية ذات طابع شيعي – إضافة إلى نشاط منصات إعلامية رقمية عراقية ولبنانية تستهدف الجمهور التونسي، وتبث محتوى مذهبيًا في بيئة لم تعتد مناقشة مثل هذه المواضيع.

في هذا السياق، تُوجَّه انتقادات إلى موقف الرئاسة التونسية، التي اختارت الصمت تجاه هذه المؤشرات. ويذهب بعض المعارضين إلى اتهام الرئيس قيس سعيّد، وشقيقه نوفل سعيّد الذي يوصف بـ"العقل المنظّر للسلطة"، بالتواطؤ الضمني أو حتى الترويج لهذا التمدد، سواء بدافع سياسي أو في إطار اصطفاف إقليمي غير معلن.

الناشطة السياسية ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي كانت من أوائل من نبهوا إلى هذا "الاختراق الصفوي"، حسب تعبيرها، محذّرة من خطر استهداف الهوية الدينية والوطنية التونسية. غير أن دعواتها قوبلت بحملة تشويه من قبل جهات موالية للرئاسة، واتهامات بالشعبوية والتوظيف السياسي.

وفي تطوّر لافت، أعلن المحامي أحمد بن حسانة عن تأسيس "الجمعية الشعبية لمناهضة المد الشيعي"، بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الإيراني السابق علي أكبر صالحي إلى تونس. وتهدف هذه الجمعية، بحسب مؤسسيها، إلى "الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية السنية المالكية في تونس"، ومقاومة محاولات الاختراق الثقافي والمذهبي الإيراني.

كل هذه التطورات تطرح تساؤلات جدية:
هل نحن أمام تحوّل بنيوي في المشهد الديني التونسي؟
أم أن الأمر لا يعدو كونه فزّاعة سياسية توظَّف في معركة النفوذ الداخلي؟
وماذا عن دور الدولة ومؤسساتها الدينية في حماية الهوية المذهبية الجامعة لتونس؟

الجواب حتى الآن يبقى معلقًا، في ظل صمت رسمي، وشبه غياب للنقاش العمومي المفتوح حول هذه القضية الحساسة التي تمسّ وحدة النسيج الثقافي والديني للمجتمع التونسي.