الخميس 26 حزيران 2025

فتح في لبنان: تصحيح مسار أم إعادة تموضع؟



عاصم محمد – النهار الإخبارية

ليست المرة الأولى التي تشهد فيها حركة "فتح" في لبنان حراكاً داخلياً وإعادة تموضع تنظيمي، ولكن ما يميز المرحلة الحالية هو تزامن هذا الحراك مع تطورات سياسية وأمنية إقليمية غير مسبوقة، ومع خطاب واضح أطلقه الرئيس محمود عباس من بيروت، بدا فيه وكأنه يدشّن لمرحلة جديدة من العلاقة الفلسطينية–اللبنانية.

عباس من بيروت: ضبط السلاح بيد الدولة

تصريحات الرئيس عباس خلال زيارته إلى لبنان نهاية أيار/مايو 2025 لم تكن عابرة. فقد أكد بوضوح رفض التوطين والتمسك بالسيادة اللبنانية، مقروناً بدعوة لاقتصار السلاح على الدولة اللبنانية. هذه الإشارات السياسية الدقيقة، وإن جاءت في إطار تطمين لبنان الرسمي، إلا أنها عكست بداية تحوّل في الرؤية الفلسطينية الرسمية تجاه إدارة الوجود الفلسطيني في لبنان، أمنياً وتنظيمياً.

في هذا السياق، بات مفهوماً أن أي تغييرات داخل "فتح" في لبنان، سواء عبر لجان تنظيمية أو مراجعات داخلية، ليست فقط شأناً حزبياً داخلياً، بل جزء من إعادة إنتاج الدور الفلسطيني في لبنان في ضوء الحسابات الإقليمية والدولية.

لجان ادارية تنظيمية أم أجهزة رقابة؟

الجدل الذي دار حول اللجان القادمة من رام الله - هل هي رقابية أم إصلاحية – لا يُغيّر من الحقيقة  أنه هناك مراجعة جدّية تجري على مستوى فتح في لبنان، تشمل ملفات حساسة: المال، التنظيم، الأمن، وحتى الخطاب السياسي.

وتشير مصادر مطلعة إلى أن السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور، الذي بات يحاول تكريس حضوره استباقيا لما يجري بإعادة تشكيل الهيكلية التنظيمية. وقد لوحظ في الآونة الأخيرة تعيين عدد من المقربين من السفير في مواقع تنظيمية حساسة داخل "فتح"، ما أثار جدلاً داخل بعض أوساط الحركة، بين من يرى في ذلك تعزيزاً للولاء والانضباط، ومن يراه تكريساً لنمط الولاءات الشخصية على حساب الكفاءة والتوازن التنظيمي.

تعيينات الولاء الشخصي لا الكفاءة.

في خضم هذا الحراك، تزداد الانتقادات داخل صفوف الحركة تجاه ما يُوصف بـ"نهج التعيينات القائمة على الولاء الشخصي" ، وليس على الكفاءة التنظيمية. وتتركز هذه الانتقادات بشكل خاص حول السفير دبور، الذي يُتّهم من قبل  الكوادر الفتحاوية بإعادة توزيع المواقع بناءً على شبكة علاقات شخصية ضيقة.

ومن أبرز هذه التعيينات:

مصطفى حمادة، المقرّب من دبور، عُيّن مسؤولاً عن دائرة الشباب في "فتح"، رغم افتقاده للخبرة التنظيمية المطلوبة لهذا الموقع الحساس.
نزيه شما، عُيّن مسؤولاً عن صندوق الرئيس محمود عباس لدعم الطلاب الفلسطينيين، وسط تساؤلات عن المعايير .

الإبقاء على العميد توفيق عبد الله – صهر السفير – مسؤولاً عسكريًا وتنظيميًا عن منطقة صور، رغم وضعه الصحي ، واحالته على التقاعد منذ سنوات .

هذه التعيينات، التي لم تُرفق بأي تبرير تنظيمي شفاف، خلّفت حالة من الامتعاض لدى كوادر فتح في عدد من المناطق، حيث يشعر العديد من الكوادر أن معيار الكفاءة بات غائبًا لصالح الولاء الشخصي والاستزلام.

القواعد الفتحاوية تترقب... والفصائل تراقب بحذر

في أوساط القواعد الفتحاوية، خاصة في المخيمات، يسود حذر مشوب بالقلق من هذه التغييرات. فبينما يرى البعض أنها خطوة لإعادة جيدة واعادة ترتيب، يعتبر آخرون أنها تُقصي الكوادر التاريخية لصالح شبكة صغيرة من المقربين والمستزلمين من السفارة.
أما الفصائل الفلسطينية الأخرى، ولا سيما تلك المنخرطة في الأطر المشتركة، فتعتمد موقف "المراقب بصمت"، وقد عبّر بعضها عن خشيته من أن تؤدي هذه التغييرات إلى إضعاف الشراكة الوطنية داخل المخيمات، أو إلى توترات تنظيمية تؤثر على التنسيق الأمني والسياسي.

ما يحدث داخل حركة "فتح" في لبنان هو مرحلة تبدو انتقالية، تتّسم بالتحسّب لما هو قادم أكثر مما تعبّر عن أزمة داخلية بحتة.
إنها محاولة لإعادة ضبط الإيقاع بين خصوصية الوجود الفلسطيني في لبنان، وبين المتغيّرات الإقليمية التي تضغط بثقلها على الجميع.

وإذا كانت القرارات تتخذ من رأس الهرم السياسي في رام الله، فإن تنفيذها على الأرض يمرّ عبر قنوات محسوبة، أبرزها السفارة، وقيادتها التي تحاول ان تعيد ترتيب الأوراق ضمن معادلة  من التماسك والانضباط والتحكم بالمشهد التنظيمي حسب ما تدعي ولكنها مشوبة بالمحسوبية والشخصنة مما يفقد المرحلة عنوانها التنظيمي والتماسكي الفعلي ويعطيها التغيير الشكلي على المضمون الفعلي.

وعليه، فإن الحديث عن "أزمة عميقة" داخل "فتح" في لبنان ربما يكون صحيحا في موضع وتبسيطاً في مكان آخر.  فلذلك ربما الاصح القول ان فتح  تدخل مرحلة "إعادة تموضع سياسي وتنظيمي مشوبا بالشخصنة والولاء مما يفقدها مضمونها العملي"،