النهار الاخباريه تونس بهيجة البعطوط
قافلة الصمود: زوبعة في فنجان أم مبادرة إنسانية محاصرة؟
في خطوة أثارت الكثير من الجدل، انطلقت "قافلة الصمود" من تونس باتجاه معبر السلوم المصري مرورًا بالأراضي الليبية، في محاولة لإيصال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة. وقد لقيت القافلة في بدايتها ترحيبًا من بعض أهالي المناطق الليبية، إلى جانب دعم أمني سهل عبورها داخل الأراضي الليبية. غير أن هذه الرحلة لم تدم طويلًا، إذ سرعان ما اصطدمت بعقبات سياسية وأمنية على مشارف الحدود الشرقية لليبيا.
ففي يوم السبت 15 جوان 2025، أوقفت سلطات شرق ليبيا القافلة، ومنعتها من مواصلة طريقها نحو مصر، بحجة انتظار الموافقة الأمنية. الإجراءات لم تقتصر على المنع فقط، بل تم تطويق القافلة، وقطع شبكات الاتصال والإنترنت عنها، فضلًا عن منع وصول المؤن الغذائية والطبية إليها. كما تم اعتقال عدد من المشاركين في القافلة، ما دفع المتحدث باسمها، وائل نوار، إلى التصريح بأن القافلة لن تغادر الأراضي الليبية إلا بعد الإفراج عن جميع المحتجزين، الذين بلغ عددهم 13 شخصًا.
ومع تزايد الضغوط، رفضت السلطات المصرية استقبال القافلة، مستندة إلى "إجراءات قانونية"، وهو ما أدى إلى تراجع القافلة نحو مدينة زليتن الليبية يوم الاثنين 17 جوان، مع تأكيد المشاركين أنهم لن يعودوا إلى تونس قبل الإفراج عن ستة متبقين من المحتجزين في مدينة سرت.
القضية لم تبقَ محصورة في الجانب الميداني فقط، بل تحولت إلى مادة سجالية على منصات التواصل الاجتماعي. فقد انقسم الرأي العام بين من اعتبر القافلة عملًا إنسانيًا شجاعًا لدعم غزة، وبين من انتقدها بشدة واعتبرها محاولة لخرق السيادة المصرية وتهديدًا للأمن القومي.
ما زاد من الجدل المحيط بالقافلة هو رعايتها من قبل فرع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في الجزائر، وهي جهة طالما أثارت جدلًا سياسيًا في المنطقة، خاصة في ظل ارتباط بعض أعضائها باتجاهات إسلامية. كما أثارت تدوينات لعدد من الشخصيات المحسوبة على حزب "حركة النهضة" التونسي تساؤلات إضافية حول الأهداف الحقيقية للقافلة، وعمّا إذا كانت إنسانية بحتة أم ذات طابع سياسي مموّه.
في المحصلة، تحولت قافلة الصمود من مبادرة إنسانية إلى حدث سياسي وأمني شائك، يكشف هشاشة التنسيق الإقليمي، ويطرح أسئلة جدية حول حدود العمل التضامني عندما يتقاطع مع الحساسيات السيادية والأجندات السياسية.